وقيل : المراد بالحكمة ما فيه من الأحكام ، وما (ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الغيب والأقدار المخفيّة على البشر.
وفيه : أنّه لم يقم دليل عليه ، بل الحكمة متى ما أطلقت يراد بها تلك العلوم والمعارف الحقّة ، الّتي لها مدخليّة في شؤون الإنسان العمليّة والمصيريّة.
وقيل : المراد بالكتاب القرآن ، وبالحكمة السنّة ، وممّا لم تعلم الشرائع وأنباء الرسل الأوّلين ؛ وهو بعيد جدا.
وهذا العلم النازل من الله تعالى على قلبه الشريف ، هو الملاك في العصمة الّتي هي عبارة عن علم الشخص بأمور تمنعه عن ارتكاب المعصية والتلبّس بالخطإ ، فإنّ أثر هذا العلم هو منع صاحبه عن الضلال ، كما أنّ أثر الشجاعة والسخاء ونحو ذلك من السجايا الفاضلة والملكات ، مترتّب عليها تمنع صاحبها من التلبّس بما يضادها من الجبن والبخل والتبذير ونحو ذلك ، وسيأتي في البحث الفلسفي في الآيات المناسبة له ما يتعلّق بالعصمة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً).
امتنان على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، إذ لا فضل أعظم من النبوّة والرحمة الإلهيّة وتعليم الكتاب والحكمة وعصمته من الوقوع في الضلال ، فذلك كلّه فضل لا يمكن أن تحويه عبارة ولا تحيط به إشارة.
قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).
بيان للصراط المستقيم والمنهج القويم الّذي لا بد وأن يتّبعه الخائنون ، دون ما حكى عنهم عزوجل ـ كما مرّ ـ من تبييت ما لا يرضى من القول وفساد النية وسوء الفعال.
وما تضمّنته هذه الآية المباركة تعليم إلهي لسائر الناس ، وإرشاد لهم بأنّهم إذا تناجوا فلا بد أن يكون نجواهم بالخير والمعروف والإصلاح بين الناس والتأليف بينهم بالمودّة ، وإلّا فلا خير في نجواهم ويكون وزره ووباله عليهم.