وفي الآية الكريمة إيحاء شديد في النفس بتوقير الرسول ؛ لإنّ طاعته هي الطريق الموصل إلى رضاء الله تعالى ، ويظهر ذلك بوضوح بعد ما وصمه أعداؤه من المنافقين وغيرهم بما حكاه عزوجل منهم في الآية السابقة.
قوله تعالى : (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً).
تأكيد لوجوب طاعة الرسول ، فإنّ لزوم طاعته يستلزم عدم جواز التولّي عنها ، فمن أعرض عن طاعته الّتي هي من طاعة الله تعالى ، فإنّه لا يضرّ إلّا نفسه ؛ لأنّ مهمّة الرسول هي التبليغ عن الله تعالى ، وليس له سلطان على الناس يقهرهم على ترك المعاصي والآثام ، بل الإيمان والطاعة من الأمور الاختياريّة الّتي تتبع قناعة النفس وميلها ، قال تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [سورة القصص ، الآية : ٥٦] فالهداية من اختصاص الله تعالى وتوفيقه الّذي يتفضّل بها على من يختاره لها ؛ لأنّه العالم بمصالح عباده.
وإنّما قال عزوجل : (حَفِيظاً) ، أي : مبالغا في الحفظ دون حافظ ؛ لأنّ الرسالة لا تنفكّ عن الحفظ ؛ لأنّ الأحكام الإلهيّة تحفظ الإنسان المؤمن بها عن ارتكاب المعاصي والآثام.