عليه أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا ، وهي صاغرة» ، وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ، وتسمّى هذه الهجرة بهجرة الأبرار.
الخامس : الهجرة من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح ، أي من الأكوان إلى المكوّن ، وهي تختصّ بأخصّ الخواص ، وتسمّى بهجرة المقرّبين ومن أجلّها الإسراء والمعراج : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [سورة النجم ، الآية : ٤٢].
والجامع بين الأقسام الرحيل من علم اليقين إلى عين اليقين ، ومنه إلى حقّ اليقين ، أو من الشهود إلى المعرفة ومنها إلى المعاينة. فمن هاجر من هذه المواطن قاصدا بهجرته الوصول إلى حضرة المحبوب بنيل رضاه ، فقد بلغ أقصى مراتب السعادة وأشرف منازل الكرامة.
أسباب الهجرة :
تنشأ الهجرة النفسانيّة وعروج القلب إلى المشاهدة بتجاوز حدود البشرية من أسباب عديدة ، أهمّها المحبّة لله تعالى ، والغنى به جلّت عظمته ، والصدق في العبوديّة ـ بالاستسلام لما يورد عليه والاستعانة منه جلّ شأنه ـ واليقين في أحكام الربوبيّة ، بتزكية النفس ومخالفة هواها ؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩] ، ولكلّ من هذه الأمور مراتب ودرجات وحدود ، ولو لا قول نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «المؤمن ملجم» ، لكان لغور البحث فيها مجال.
آثار الهجرة :
لكلّ من أقسام الهجرة آثار تختلف حسب الهجرة الّتي هاجرها المهاجر ، بهجران الصفات الرذيلة وتبديل الأخلاق الفاسدة بالحسنة وترك الحظوظ النفسانيّة وقهر الهوى بالمقامات العالية ، فقد ينقّى الأثر بالرقي إلى مكارم الأخلاق ،