الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) وجوب ردّ كلّ تحيّة ، سواء كان بالكلام أم بالفعل ، ممّا هو المتعارف عند كلّ قوم ، أم بالإشارة ، بل عمومها يشمل كلّ برّ ، إلّا أنّ تحيّة الإسلام هو إلقاء السلام الّذي هو علامة السلم والمسالمة ، وقد أمر الله تعالى نبيّه الكريم بإلقائه على المؤمنين ، فقال عزوجل : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [سورة الانعام ، الآية : ٥٤] ، وهو من بقايا الدين الحنيف قال جلّ شأنه حكاية عن إبراهيم عليهالسلام فيما يحاور أباه : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٤٧] ، وقال تعالى حكاية عن الملائكة الّتي جاءت إبراهيم : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [سورة هود ، الآية : ٦٩].
ويستفاد من الآيات الواردة في مقامات مختلفة أنّ السلام كان قبل ذلك ، وأنّه ممّا جعله الله تعالى تحيّة لنفسه ، وأنّه من تحيّة الأنبياء ، قال تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ٧٩] ، وقال تعالى : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٠٩] ، وقال تعالى : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٢٠] ، وقال تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٣٠] ، وقال تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٨١].
وأنّه من تحيّة الملائكة ، قال تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [سورة النحل ، الآية : ٣٢] ، وأنّه من تحيّتهم للمؤمنين في الجنان ، قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [سورة الرعد ، الآية : ٢٣ ـ ٢٤] ، وهو من تحيّة المؤمنين بعضهم على بعض في الجنان ، قال تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [سورة يونس ، الآية : ١٠] ، وقال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [سورة الواقعة ، الآية : ٢٥ ـ ٢٦].