في تحفّظه ، فلا يعود إليه ثانيا ، كما أن تحرير الرقبة الّتي هي عبء ثقيل على المجتمع ، فإنّ المملوك عضو ميّت وإن كان بصورة الأحياء ؛ لأنّه ليس له كمال الاختيار بالتصرّف بما شاء ، فيكون تحريره بمنزلة إحيائه بدل ما فقدوا منهم واحد ، كما أنّ صيام شهرين متتابعين بدل عتق الرقبة ؛ لأنّ له الأهميّة الكبيرة في ترويض النفس وإرغامها على قبول الفضائل وترك الرذائل ، فهو من الأمور التربويّة الإصلاحيّة.
العاشر : يشتمل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) على العظة والتوبيخ ، ولا يدلّ على كون القتل في هذه الآية المباركة من القتل العمد ، فإنّ الظاهر أنّ القاتل زعم كون المقتول كافرا وأراد خلاص نفسه بإلقاء السلام ، فلم يثق بكونه مؤمنا ، فتكون الآية الشريفة ردّا عليه ، وتوبّخه بأنّ المدار في الإسلام على الظاهر. وأمّا الباطن والحقيقة ، فلا يعلمهما إلّا الله تعالى.
وبناء على هذا ، يكون قوله تعالى : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) نازلا على مقتضى الحال ، أي : حالكم في قتل من يظهر الإسلام من دون اعتناء بشأنه حال المؤمن الّذي يجاهد في سبيل الغنيمة وجمع المال ، فلا يكون قصده سبيل الله تعالى ، فإنّ من سبيل الله هو الاعتناء بأحوال المؤمنين والأخذ بظاهر الإسلام ، لا ما كان عليه حال المؤمنين قبل الإسلام ، فإنّه لم يكن قصدهم إلّا ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى أن من الله تعالى عليهم بالإيمان وهداهم برسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثمّ إنّ المراد من سبيل الله الأعمّ من السير في الأرض ـ كما هو الظاهر من الآية المباركة ـ أو السير والسلوك إلى الله تعالى في طلب المعرفة والهداية إلى الحقّ والإيمان به ، فيكون للسير والضرب حينئذ الدرجات بالارتقاء بأن يصير الإيمان به إيقانا ، والإيقان عيانا ، والعيان غيبا ، وصار الغيب شهادة والشهادة شهودا والشهود شاهدا والشاهد مشهودا ، وبهما أقسم الله تعالى : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [سورة البروج ، الآية : ٣] ، وهذا مقام لا يناله إلّا الأولياء والأخصّ من الخواص ،