يتحقّق إلّا بالجهاد ـ الأكبر منه أو الأصغر ـ لأنّ شرف النيل إلى جنّة المعارف أو جنّة الزخارف ، لا يحصل إلّا به.
قوله تعالى : (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً).
تفصيل بعد إجمال ، وبيان للأجر العظيم الّذي فضّل الله تعالى المجاهدين به على القاعدين ، أي : أعطى الله تعالى المجاهدين أجرا عظيما ، ومفضّلا إيّاهم على القاعدين بدرجة عظيمة. وهذه الدرجة متفاوتة لها مراتب ، فليست هي منزلة واحدة ودرجة فريدة ، بل منازل ودرجات كثيرة ، هي مركبة من المغفرة والرحمة ، فإنّ كلّ ما يفاض على العبد في الدنيا والآخرة هو من مظاهر رحمته الواسعة ، ولا يمكن النيل به أبدا إلّا بإزالة الموانع والحجب ، وهي لا تحصل إلّا بالمغفرة ، كما أنّ تلك المنازل المتفاوتة هي رحمة إلهيّة ، وهذا هو السبب في اقتران المغفرة مع الرحمة في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، قال تعالى : (مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦] ، وقال تعالى : (وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [سورة الأنفال ، الآية : ٤] ، وقال تعالى : (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٠].
واختلاف هذه الآيات الشريفة في الإبهام والتفسير ، والإجمال والبيان فيه من اللطف ما لا يخفى ، وهو من أحد وجوه البلاغة ، فإنّه عزوجل قيّد المجاهدين في الآية الأولى بقوله تعالى : (فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، كما قيّد عزوجل في الآية التالية بها أيضا ، بينما أطلق عزوجل المجاهدين في الموضع الثالث ولم يقيّده بشيء ، ومع ذلك فقد ذكر عزوجل عدم استواء القاعدين مع المجاهدين ، وذكر أنّ التفضيل إنّما هو درجة ، ثمّ ذكر أخيرا أنّها درجات منه ومغفرة ورحمة.
والوجه في ذلك أنّ الكلام في الآية الأولى مسوق لبيان فضل الجهاد على القعود ، وبيّن عزوجل أنّ الفضل للجهاد إذا كان في سبيل الله تعالى وبذل أعزّ الأشياء عند الإنسان وهو المال ، وببذل ما هو أشرف وأعزّ من الأوّل وهو النفس