يستعمل النفر في الخيرات كلّها ، والمعروف أنّهم كانوا إذا استنفروا الناس للحرب ينادون : النفير النفير ، وفي الحديث : «وإذا استنفرتم فانفروا» ، أي : إذا طلب منكم النصرة فأجيبوا خارجين إلى الإعانة.
والثبات : جمع ثبة ، على وزن فعلة كحطمة ، حذفت لامها وعوض عنها تاء التأنيث ، ولامها إمّا واو ، من ثبا يثبو ، كحلا يحلو ، أو ياء مشتقّة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه ، فإنّك جمعت محاسنه ، وهي الجماعة على تفرقة أو منفردة ، قال الشاعر :
/ / وقد أغدوا على ثبة كرام / /
وثبات وجميعا منصوبان على الحال ، أي : انفروا جماعة بأن يكونوا فصائل وفرقا ، أو انفروا مجتمعين.
واختلاف النفر كذلك إنّما يكون حسب مقتضيات الحال والظروف الحربيّة ، كما أنّه قد يقتضي الحال أن يكون النفير عامّا أو يكون محدودا على قدر الحاجة ، بأن تكون سرية أو طائفة ونحو ذلك ، ومنه يظهر الترديد في الآية الشريفة.
والآية الكريمة وإن كانت في الحرب ، ولكن تدلّ على المبادرة إلى الخيرات كلّها أيضا ؛ لأنّ الحرب والجهاد في سبيل الله تعالى من أكمل الخيرات وأجلاها ، فلا ينافي المبادرة إلى مطلق الخيرات أيضا.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ).
بيان لحال بعض الأفراد ، ووصف دقيق لنفسيّتهم الّتي تكون مصدرا لحركات خاصّة وتصرّفات مخصوصة في حالة الحرب الّتي تتطلّب الثبات في العزيمة.
والآية الشريفة تصوّر تلك الحالة النفسيّة بأحسن صورة وأكملها ، بحيث لا تتأدّى تلك في عبارة اخرى مهما بلغت من الوجهة البلاغيّة ، فإنّها تدلّ على أنّ