من بعلها نشوزا ، كترك مضاجعتها ولا يرغب في مباعلتها ، أو إعراضا بأن لا يتحدّث إليها وينصرف بوجهه عنها في المضجع.
ومن أسلوب الآية الشريفة وإيجازها البليغ حيث جعل الفعل المذكور فيها : «خافت» مفسّرا لفعل محذوف مثله ، وذكر الزوج بالخصوص وتعليق الخوف عليه فقط دون غيره ، واختصاص لفظ البعل بالذكر دون غيره من الألفاظ المستعملة في هذا المقام لتذكيرها بأنّ الزوج إنّما يكون بعلها ورئيسها ، فلا بدّ وإن تحسن المعاشرة معه ، وعلى الزوج مضاجعتها وإدارة شؤونها بالعدل والإحسان ، كلّ ذلك لأجل تنبيه المرأة بأنّه لا بدّ لها أن لا تكتفي بالوهم والوسوسة اللتين تكثران في النساء ، فلا يعتمّدن عليهما في هدم كيانهن وتقويض صرح الأسرة الّتي أكّد الشرع على إقامتها بأفضل وجه ، وقد أخذ من الزوجين العهود والمواثيق على إشادتها بالعدل والإحسان ، فيجب أخذ الحيطة والتثبت والتبيين في ما يظهر لها من أمارات النشوز والإعراض ، وتحقّق الخوف الفعلي عندها فإذا ظهر لها ذلك ، فحينئذ يأتي الإصلاح.
قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً).
أي : فلا حرج ولا إثم على المرأة وبعلها أن يصلحا على النحو الّذي يتّفقان عليه بينهما ، فإذا أرادت أن تغض النظر عن بعض حقوقها في حياتها الزوجيّة ، جلبا للأنس والألفة أو استعطافا له أو احترازا عن شدّة التباغض والشحناء ودفعا للمفارقة والطلاق ، جاز لها ذلك ولا حرج عليهما.
وإنّما عبّر عزوجل بالجناح للتنبيه على أنّه لا يجب على الزوجة ، بل ليس لأحدهما جبر الآخر وإلزامه ، وإنّما هو أمر احترازي أدبي وأن المقصد هو المعاشرة بالمعروف والتراضي بالإحسان ؛ أو لنفي ما يتوهّم أن ما تعطيه المرأة للزوج من المال ـ مهرا كان أم غير ذلك ـ إنّما هو محرّم ولا يحل له أخذه.