وكيف كان ، فهاتان الطائفتان مستثنون من الحكم المذكور في صدر الآية الشريفة.
والمستفاد منها اهتمام الإسلام بالعهود ومراعاة المواثيق ومجانبة القتال مهما أمكن ، إلّا إذا دعت الضرورة إليه ، فحينئذ تتقدّر الضرورات بقدرها ، كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ).
منّة على المؤمنين ، أي : من رحمته بكم أنّه تبارك وتعالى صرف تلك الفئتين عنكم لأسباب عديدة ، ولو شاء عزوجل لسلّطهم عليكم بوجوه ، منها إزالة الرعب عنهم وتقوية عزيمتهم وبسط صدورهم لقتالكم فلم يكفّوا عنكم ولم ينصرفوا عن قتالكم ، فإنّه على كلّ شيء قدير ، فهو قادر على أن يسلّط من يشاء على من يشاء إذا اقتضت حكمته المتعالية ذلك.
قوله تعالى : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ).
أي : فإن لم يتعرّضوا لكم ولم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم والصلح ، بأن استسلموا ونبذوا العداء لكم.
قوله تعالى : (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً).
أي فما أذن الله لكم في الاعتداء عليهم وقتالهم ، فإنّ الله تعالى لم يشرّع القتال إلّا إذا اعتدي على المؤمنين. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يقاتل أحدا وقد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت سورة التوبة وأمر بقتل المشركين ، اعتزلوه أو لم يعتزلوه ، إلّا من قد كان على عهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٥].
قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ).
إخبار عن قوم لم يهتدوا بهدى الإسلام ولم يستقر الإيمان في قلوبهم ، فقد