الثانية : الّذين لحقوا بالمؤمنين وهم يتحرّجون عن مقاتلة قومهم ومقاتلة المؤمنين ، كما سيأتي.
وذكر بعض المفسّرين أنّ الاستثناء يرجع إلى المؤمنين الّذين لم يهاجروا ، فإنّ الله تعالى قد أوجب الهجرة على كلّ من أسلم ، فاستثنى من كان له عذر ، وهم الّذين قصدوا الرسول للهجرة والنصرة إلّا أنّه منعهم الكفّار الّذين يخافونهم ، فصاروا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق ، وأقاموا عندهم ينتهزون الفرصة لإمكان الهجرة.
واستثنى أيضا من صاروا إلى الرسول صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ولكن لا يقاتلون المسلمين ولا يقاتلون الكفّار معهم ؛ لأنّهم أقاربهم أو تركوا عندهم الأهل والمال ، فيخافون الفتك بهم إذا هم قاتلوا مع المسلمين.
وهذا الوجه بعيد عن ظاهر الآية المباركة كما هو معلوم ؛ لأنّ الكلام مع المنافقين الّذين أركسهم الله تعالى ، سواء كانوا في دار الكفر أو في دار الهجرة.
قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ).
هذه الفئة الثانية من المنافقين الّذين استثناهم عزوجل من القتل. والحصر (بفتحتين) هو الضيق والانقباض ، وحصرت الصدور أي : ضاقت ، والحصر في القول هو الضيق في الكلام ـ ومنه الحصر بالفتح فالكسر ـ أي : الكتوم للسرّ ، والجملة حال من الضمير المرفوع في «جاءوكم» ، فلا بد من إضمار «قد» ، أي جاءوكم وقد حصرت صدورهم ، وقيل غير ذلك كما يأتي في البحث الأدبي.
والمعنى : إلّا الّذين جاءوكم ولحقوا بكم كافّين عن القتال وقد ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم ، ويمكن أن يراد بهؤلاء هم المتحرّجون عن القتال لا مع المؤمنين ولا عليهم ، فنفاقهم إنّما يكون بالولاء.