وإنّما يكون كذلك إذا كان مستسلما لله تعالى عاملا بشريعته ، فإنّ للعمل والطاعة الأثر الكبير في استقرار الإيمان في القلب والثبات عليه ؛ ولذا كانت الأحكام الإلهيّة اختبارات واقعيّة لبيان درجات الإيمان عند المؤمنين ، تبعا لشدّة إخلاصهم وضعفه.
وهذا لا يختصّ بالإسلام ، بل هو أمر طبيعي في كلّ دين وملّة ، خالقيّة كانت أم خلقيّة ، فإنّه لا بدّ من الاختبار ليعرف مدى استقامة الشخص وثباته عليه.
وتعدّ هذه الآية الشريفة من الآيات المعدودة الّتي تشرح تلك النفوس الضعيفة الّتي آمنت بالإسلام ولم يكن بعد قد استقرّ في القلوب ؛ ولذا كانت على خوف من الله تعالى لعلمهم بأنّه سيؤاخذهم على كلّ صغيرة وكبيرة. وعلى خوف من الناس ؛ لأنّ الجبن قد تمكّن في نفوسهم ، فهي لا تقدر أن تقابلهم في ميدان القتال ، وهم على خوف من القتل ، فكانوا يطلبون التأخير ليضمنوا لأنفسهم الأمرين ، أي عدم وقوعهم في مخالفة الله تعالى ، والنجاة من القتل. والآية المباركة تبيّن أنّ المطلوب منهم غير ذلك ، وهو الثبات والاستقامة لا الترويغ والمناورة ، فالدين ليس اندفاعا شخصيّا أو جماعيّا لأجل أمر قد يتوهّم أنّه الصالح لهم ، وليس هو من مقاييس البشر النفعيّة ، بل الدين تابع لمقاييس ربّانيّة حكيمة موضوعة لصالح الناس ، ولا بد أن يكون الدين مأخوذا من صاحب الشرع ؛ لأنّه أعلم بمصالحهم ، وقد نبّه عزوجل في هذه الآية الشريفة أنّ الأصلح لهم في ابتداء الأمر بترويض نفوسهم بالطاعة والعمل بالصلاة وأداء الزكاة ، فإنّ لهما الأثر الكبير في ذلك ، ثمّ انتظار ما يقضي به الله تعالى من الأحكام ، فإنّ الدين هو الطاعة لله ولرسوله.
الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) إنّ العلّة في الإعراض عن الطاعة هي التوجّه إلى الدنيا والتطلّع على متاعها وحبّها ، فإنّ ذلك هي العلّة التامّة للوقوع في المخالفة.