أحد مباحثنا السابقة أنّ الشهيد في سبيل الحقّ وإعلاء كلمة الله تعالى ، يكون شهيدا على الأعمال أيضا ، فبينهما تلازم في الجملة.
قوله تعالى : (وَالصَّالِحِينَ).
وهم الّذين صلحت نفوسهم واستقامت أحوالهم وطريقتهم باتباعهم شريعة الله جلّ شأنه والدوام على طاعته ، فصاروا حججه على خلقه ، يحتجّ بهم على من يخرج عن الصراط المستقيم ، وبتزكية نفوسهم بصالح الأعمال ، فتأهّلوا لفيضه عزوجل وتهيّؤوا لنعمه وكرامته. وهذه الطائفة هي آخر الطوائف الّتي هي صفوة الله تعالى من عباده.
والصالحين : جمع الصالح ، وهو الّذي صلحت حاله واستقامت طريقته. وأمّا المصلح ، فهو الفاعل لما فيه الصلاح.
قوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).
الرفيق كالصديق والخليط ، بمعنى الصاحب ، سمّي بذلك للارتفاق به ، وهو منصوب على التمييز ، وفعيل يستوي فيه الواحد وغيره ، وفي التمييز أيضا يكتفى بالواحد عن الجمع ، وقيل : إنّه منصوب على الحال ، أي حال كونهم رفقاء أولئك الطوائف الّذين تقدّم ذكرهم.
والرفيق جماعة الأنبياء الّذين يسكنون أعلى عليّين ، وفي حديث الدعاء : «والحقني بالرفيق الأعلى» ، وقيل في معنى ذلك : ألحقني بالله تعالى ، يقال : الله رفيق بعباده ، من الرفق والرأفة ، فهو فعيل بمعنى الفاعل ، ومنه حديث عائشة : «سمعته صلىاللهعليهوآله يقول عند موته : بل الرفيق الأعلى». وذلك أنّه صلىاللهعليهوآله خيّر بين البقاء في الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله تعالى.
ولكنّ الرفيق في الآية المباركة اسم جاء على فعيل ، بمعنى الخليط والصديق ، يطلق على الجماعة المذكورة فيها لا بمعنى الرفق.