قوله تعالى : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ).
بيان للآية الشريفة السابقة وتعليل لذيلها ، فإنّ ما أضلّ به الشيطان عباد الله تعالى ليس إلّا مجرّد وعود زائفة ، وأمانيّ باطلة حصلت من وعوده الّتي هي من وساوسه ، فكانت مجرّد وهم وتخيّل ، وهذه الوعود والأماني هي من أقوى أسباب الضلال وأشدّ حبائل الاحتيال وأعظم كيده (لعنه الله) ووساوسه ؛ ولذا اقتصر سبحانه وتعالى عليهما في هذه الآية الكريمة.
قوله تعالى : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
الغرور : هو الباطل وإيقاع النفس في الهلاك والبوار ، وعن عليّ عليهالسلام : «إذا استولى الفساد على أهل الزمان ، فمن أحسن الظنّ بهم فقد غرّر نفسه» ، أي : أوقعها في الهلاك وسمّي الشيطان غرورا ؛ لأنّه يحمل الإنسان على محابّه ، ووراء ذلك ما يسوءه.
وأمّا أنّ وعد الشيطان باطل ؛ لأنّه لم تكن له حقيقة ، وأمانيه ليس لها واقع ، بل هي مجرّد وهم وتخييل. أليس هذا هو الخسران وإيقاع النفس في المهالك وصدّها عن المسير الاستكمالي الّذي خلق الله تعالى الإنسان لأجل ذلك؟ ألم يكن ذلك هو الغرور الّذي به وقعت الإنسانيّة في العذاب والجهالة في الدنيا قبل الآخرة؟! أليست الآثار الّتي ترتّبت على الوعود الشيطانيّة وأمانيه مضلّة ومهلكة للإنسانيّة جمعاء؟! فهذا القلق والاضطراب والتحيّر والشكّ والانحراف والشذوذ ، والخروج عن الاستقامة ، وإتيان الرذائل وارتكاب الفحشاء والمنكر وغير ذلك من أباطيل الشيطان الّذي أوقع من أطاعه وعبده فيها ، واغترّ الإنسان بها فأوقع نفسه في الخسران والهلاك ، وأي خسران أعظم من تبديل السعادة الحقيقة وكمال الخلقة إلى الشقاء والحرمان ، فكان المبدأ مضلا وفاسدا ، والواسطة افتتانا وإيهاما وتخيّلا وكذبا وخديعة ، والنهاية خسران وحرمان وشقاء ، فهل يبقى لمن أطاع الشيطان وعبده وتبجّح بولايته وتحدّى به الله تعالى عذر؟ أفلا يكون ذلك كافيا في رجوع