أقول : المراد من صدر الرواية أنّه تعالى ألزم على نفسه حسب إرادته أن يجعل المؤمن الواقعي رفيقا لتلك الطوائف في الجنّة ، وذلك من باب ترتّب المسبّب على السبب ، والرواية من باب ذكر أجلى المصاديق وأكملها.
بحث عرفاني
المراد من الطاعة ـ الّتي هي الوسيلة للوصول إلى الدرجات الرفيعة السامية والأفق القريب منه جلّ شأنه ، وهي الّتي أكّدت عليها الآيات الشريفة ودعى إليها الأنبياء والأولياء بألسنة مختلفة واهتمّوا بها ؛ لأنّها المبعث لتكريم الإنسان ونيله أشرف المراتب وأجلّ المقامات ، وهي الانقياد الكامل والامتثال مع الإخلاص لجلب رضا الحقّ وترك ما سواه.
ولها مراتب كثيرة ـ بل متفاوتة ـ حسب إخلاص العبد ومقام العبوديّة ، بل حسب درجات الحبّ والمحبّة له جلّت عظمته ، ففي الأثر : «إنّ الله تعالى أودع أنوار الملكوت في أصناف الطاعات». فأعلى مراتبها قتل النفس في الحقيقة وقمع هواها الّتي هي حياتها ، قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩ ـ ١٠] ، وبالخروج عن عالم المادّة. ومن مراتبها تسليم النفس إليه تعالى ودوام المراقبة لها ، كما ورد ذلك في روايات مستفيضة عن المعصومين عليهمالسلام وفي الدعوات المأثورة عنهم ، وفي الأثر : «كنّا في طريق مكّة ، فإذا بشاب قائم في ليله يناجي ربّه ويقول : يا من شوقي إليه ، وقلبي محبّ له ، ونفسي له خادم ، وكلّي فناء في إراداتك ومشيئتك ، فأنت ولا غيرك ، متى تنجيني ـ إلى آخره ـ قلت له : رحمك الله ، ما علامة حبّه؟ قال : اشتهاء لقائه. قلت : فما علامة المشتاق؟ قال : ليس له قرار ولا سكون في ليل ولا نهار من شوقه إلى ربّه. قلت : فما علامة الفاني؟ قال : لا يعرف الصديق من العدو ، ولا الحلو من المرّ من فنائه عن رسمه وجسمه. قلت : فما علامة الخادم؟ قال : إنّه يرفع قلبه وجوارحه وطعمه من ثواب