الّتي تيسّرها في النفس وتجعل الإنسان مجدّا في عمله يقبل عليها بلا إبطاء ، ويكون مخلصا لله تعالى.
وقد وعد عزوجل في هذه الآية المباركة بأنّ المهاجر سوف يجد في الأرض سعة وبسطة ، والله هو الكفيل ما دامت الهجرة في سبيل الله تعالى ، وإذا وقع عليه الموت فإنّ الأجر يقع عليه عزوجل.
وسبيل الله تعالى ما أمر بسلوكه مطلقا ، سواء استلزمه تعظيم الشعائر وإبلاغ الأحكام ، أو لم يستلزم ذلك ، فقد أوجبت المهاجرة الخروج عن الضعف والإذلال ، ونيل رضاه جلّ شأنه.
وقد ذكر عزوجل في هذه الآية مخافة الضيق والفقر وعدم الرزق في مسيره ، كما ذكر المخافة الثانية : وهي الموت في الطريق في الآية التالية.
والمراغم من الرغام ، وهو التراب الرقيق ، ولم ترد هذه المادّة في الآيات الكريمة إلّا في هذه الآية الشريفة ، وأصله لصوق الأنف بالرغام مشعرا بالذلّ والهوان ، يقال : رغم أنف فلان رغما ، أو يقال : أرغم الله أنف فلان ؛ لأنّ الأنف من جملة الأعضاء في غاية العزّة ، والتراب في غاية الذلّة ، فجعل ذلك كناية عن الذلّة ، ويعبّر عنه بالسخط ، قال الشاعر :
إذا رغمت تلك الأنوف لم ارضها |
|
ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها |
والمراغمة : المنازعة والمساخطة ، أي : ما يوجب سخطه ، فيكون المعنى : يجد في الأرض مخلصا من الضلال وممّا يوجب سخطه كثيرا ويصل إلى الخير والنعمة ، فكلّما منعه مانع من إقامة دينه ينتقل إلى تربة أخرى.
ويمكن أن يكون المراد بالمراغم في المقام الرقيق في السفر ، وإنّما عبّر تعالى بذلك لأنّ السفر خصوصا في الأزمنة القديمة كان ملازما للرغام والتعب والمشقّة ، وفي هذا التعبير تسلية للمهاجرين بأنّه لو أصابهم تعب ومشقّة ورغام فلا يتأثّروا كثيرا بذلك ، فإنّها نوعي «والبلية إذا عمّت طابت».