وقد اختلف المفسّرون في معنى هذه الآية الشريفة ، والحقّ أنّها ترجع إلى شيء واحد وإن اختلفت في اللفظ ، فقيل : المراغم المتزحزح ، أي : ينتقل من أرض إلى أخرى ، وقيل : إنّه المتحوّل ، وقيل : المهاجر وقيل غير ذلك ، وهي كما ترى متّفقة في المعنى.
وفي الآية المباركة كمال اللطف بالمهاجرين وتطييب نفوسهم وبثّ الطمأنينة فيها بأنّ الله تعالى كفيل لرزقهم ، فإنّهم سيجدون في الأرض سعة وبسطة إذا كانت الهجرة في سبيله تعالى وخالصة لوجهه الكريم ، ويقصد منها رضاء الله تعالى وإقامة دينه ، ولعلّ في قوله تعالى : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) إشارة إلى ما ذكره عزوجل سابقا من قوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [سورة النساء ، الآية : ٩٧] ، وفيها وعد منه. وفي المقام بيان لوعده الكريم بمزيد السعة بالمهاجرة ، وأنّه يجد مراغما كثيرا ، أي : خلاصا من ورطته ، وقدرته على الانتقال من مكان إلى آخر حيث وجد ضيق في الأوّل وشدّة.
والحقّ أنّ قوله تعالى : (مُراغَماً كَثِيراً) من لوازم السعة في الأرض لمن يريد السلوك فيها والهجرة في سبيل الله تعالى.
والمعنى : ومن يهاجر في سبيل الله طلبا لمرضاته وإقامة دينه ، يجد في الأرض مخلصا ونجاة من الضلال والضيق ، في التحوّل من أرض إلى اخرى كلّما منعه مانع من إقامة دينه ، وسعة في الرزق إذا خاف الضيق في مسيره.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ).
بيان للمخافة الأخرى الّتي تدور في النفس بشأن الهجرة ، وهي درك الموت في الطريق أو السلوك إلى الحقّ.
ودرك الموت كناية عن وقوعه عليه ومفاجأته به قبل الوصول إلى المقصد ،