سيذكره عزوجل ، ولبيان كمال شناعة مخالفتهم ومشاقّتهم ، والمراد من قوله عزوجل : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ، أي : من بعد ما ظهر الحقّ ، وفيه من التقبيح العظيم لهم ما لا يخفى.
والمعنى : ومن يخالف الرسول من بعد ما ظهر له الحقّ بالدلائل والمعجزات وموافقة ما أتى به للفطرة ولم يطعه ، وإنما ذكر عزوجل القيد : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ؛ لبيان شدّة المعاندة ، وأنّ المشاقة إنّما كانت عصبيّة واتّباعا للشهوات والنفس الأمّارة ، فكانت سببا لزوال الهداية وتفويتها عنهم.
قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).
سبيل المؤمنين إنّما هو سبيل الهداية ، وما هم عليه من الحنفيّة الصافية الموافقة للفطرة الخالية عن كلّ شائبة ، كما أنّ سبيلهم إنّما يكون سبيل التقوى ، فكان سبيلهم طاعة الله ، واجتماعهم إنّما كان عليها ، وقد ورد الحثّ على اتّباع سبيلهم في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [سورة الانعام ، الآية : ١٥٣] ، وقال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠٣].
قوله تعالى : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى).
أي : من خالف الرسول واتّبع غير سبيل المؤمنين في ما هم عليه من التقوى والهداية وإطاعة الله من ما بعد ظهر له ، نجعله على ما تولّاه من الضلالة والغواية الّتي اختارها.
والآية الشريفة تدلّ على اختيار الإنسان في أفعاله وسلوك عقائده ، وأنّ لها الأثر الكبير في هداية الإنسان وسبلها ، فإنّ الخروج عن ربقة المؤمنين والإعراض عن تعاليم سيد المرسلين ، موجب للخروج عن الفطرة المستقيمة والدخول في سلك