الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) أنّ الأعمال الفاسدة والملكات الرذيلة والعقائد الباطلة تؤثّر في الإنسان أثرا بليغا ، حتّى يصل الى قلب الحقيقة فتوجب التشابه بينه وبين ما يناسبه حينئذ ، فكانت النار الّتي هي جزاء من تولّى الشيطان هي الأثر المناسب لأفعاله ، فتحصل التجاذب بينهم وبين النار ، فلا مفرّ لهم منها ولا مكان آخر يأويهم.
التاسع : إنّما جمع سبحانه وتعالى الطاعة والإيمان في الآيات المباركة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ؛ لبيان أنّ مجرّد الإيمان والعقيدة بلا عمل وطاعة لا يؤثّر في دخول الجنّة ، بل لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح.
نعم ، لكلّ منهما أثر وضعي خاصّ ، ولكن الجزاء يتوقّف على الإيمان والعمل معا ، كما مرّ.
بحث روائي :
في الدرّ المنثور عن أبي مجاز قال : «لما نزلت هذه الآية : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [سورة الزمر ، الآية : ٥٣] ، قام النبيّ صلىاللهعليهوآله على المنبر فتلاها على الناس ، فقام إليه رجل قال : والشرك بالله؟ فسكت مرّتين أو ثلاثا ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فأثبتت هذه في الزمر وأثبتت هذه في النساء».
أقول : تقدّم أنّ للشرك مراتب كثيرة ، وأنّ عدم الغفران يختصّ بالمرتبة الأخيرة منه ، وهي ما إذا مات على الشرك ولم يتب ، فلا تنافي بين الآيتين الشريفتين ، كما تقدّم في البحث الروائي في الآية المباركة ٤٨ من سورة النساء ، والتفكيك في الثبت إنّما كان من فعله صلىاللهعليهوآله.