بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات المباركة أمور :
الأوّل : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أنّ الجزاء على الأعمال ـ سواء أكان وعدا أم وعيدا ـ مترتّب على سلامة الأرواح وسعادتها أو شقائها وهلاكها ، وهما ينشئان ممّا عليه الإنسان في دار الدنيا من سلامة الفطرة وصحّة العقيدة وصالح الأعمال ، أو الانحراف عن الفطرة وفساد العقيدة واكتساب الرذائل والتدنّس بها ، فتكون درجات الجنّة ودركات النار على طبق المراتب ، وإنّ أعلاها التوحيد الكامل ، وأمّا أخسّ الدركات فهي الشرك بالله تعالى ، ولكلّ منهما صفات تناسبها. وعلى هذا يكون عدم غفران الله تعالى الشرك أمرا طبيعيّا موافقا للقاعدة الّتي تقتضي التناسب بين الجزاء والفعل. فإنّه تعالى لو ادخل المشرك الجنّة للتمتع بنعيمها كما يتمتّع المؤمن الموحّد ، فهذا نقض لسنّة الله الّتي لا تقبل التّغيير والتبديل ، الّتي قضت أن ينال كلّ واحد جزاء عمله.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) على أنّ ما يعبد من دون الله تعالى ، ضعيف عاجز لا يقدر على تحقيق مقاصد من يعبدونها ، ويؤكّد ذلك سياق الآية الشريفة الّذي وصف الله تعالى نفسه بعدم الغفران للمشركين وغفرانه لغيرهم ، فهو القادر على كلّ شيء.
وتدلّ أيضا على أنّ ما يعبد من دون الله تعالى يصيبه كلّ ما يصيب الإناث من سائر المخلوقين من الآفات والأمراض ، والله هو القوي العزيز الّذي يمتنع عليه جميع ذلك ويستحيل أن يقع محلا للحوادث ، كما ثبت في الفلسفة الإلهيّة. وأنّ كلّ معبود من دون الله تعالى مهما بلغ من العظمة والقوّة والقدسية لدى من يعبدونه ، فإنّه ضعيف يحتاج إلى من يعينه ويساعده من كلّ مخلوق.