أسلموا رياء ليأمنوا بطش المؤمنين ، وكفروا بالحقّ ليأمنوا قومهم ، فهم مذبذبون لا يهمّهم إلّا حفظ أنفسهم وسلامة أبدانهم ، وقد أخبر عزوجل بأنّهم منافقون ؛ ليحذر المؤمنون منهم فلا يوادعونهم كما لا يواعدونهم.
ومضمون الآية المباركة لا يختصّ بعصر النزول ، فإنّ أهل الحقّ على ابتلاء بمثل هؤلاء الطائفة في كلّ عصر ، وأنّهم يعانون من نفاقهم وعدم خضوعهم أمام الواقع وعدم إذعانهم بالحقّ واتباعه.
قوله تعالى : (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها).
أي : كلّما سنحت لهم الفرصة إلى الفتنة ـ وهي الكفر ومساعدة الكفّار على المؤمنين ـ تحوّلوا إليها بسهولة شرّ تحوّل ، وانتكسوا من العهد والإيمان وعادوا إلى الكفر أقبح عود.
والارتكاس هو : الانتكاس والقلب أقبح قلب وأشنعه. وهذا الوصف يكشف عن شدّة غيظهم وبعدهم عن الحقّ ، كما يكشف عنه الآية التالية أيضا.
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ).
بيان لشروط قتال هذه الطائفة ، وتبديل الكلام فيها من الإثبات إلى النفي ، واختلافه عمّا ذكره تعالى في الطائفة السابقة ، قال تعالى : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) ؛ لإرشاد المؤمنين إلى خبث هذه الطائفة وأخذ الحيطة عن هؤلاء وتشديد الحذر منهم.
والشروط الّتي ذكرها عزوجل لترك قتالهم ، هي اعتزالهم عن المسلمين ، وعدم التحريض على قتلهم ، واستسلامهم بالمصالحة والموادعة مع المسلمين ، والانقياد لهم وكفّ أيديهم عن قتال المسلمين ، فإنّ بهذه الشروط يؤمن جانبهم فلا يخاف غدرهم وشرّهم ، وإن لم يتحقّق شرط من هذه الشروط فقد تمّت الحجّة عليهم ، فيحلّ عليكم قتالهم ، كما أخبر عزوجل.