ذكر عزوجل أمرين هما من أهمّ الأمور في هذا الدين ، أحدهما يهتمّ بما يرتبط بين العبد وخالقه ـ وهي الصلاة الّتي فيها الخشوع ، والخضوع ، والعبادة لله الواحد الأحد.
والثاني يعتني بما بين أفراد المؤمنين ، وهي الزكاة الّتي تزيد في تماسكهم ، وتحتوي روح التعاون والتراحم بينهم. وهما من شعائر هذا الدين القويم تزيدان في إيمان المؤمنين وتمكّنه في قلوبهم ، وبهما يشتدّ أمر الدين ويقوم صلبه ، وتتهيّأ نفوسهم للقتال ومصارعة الباطل في ميدان الجهاد ، وبدون ذلك ليس لهم أي استعداد للقتال ، كما أنّه لولا ذلك لآل أمر الدين إلى الزوال وانفصمت عراه وانهدمت أركانه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ).
تصوير لحالهم من داخل نفوسهم وإظهارها بأنّها لم تكن على استعداد للقتال.
والمراد من الناس هم الكفّار ، أي أنّهم يخافون الكفّار لئلّا يقتلوهم ، وهذا يكشف عن اشتغال نفوسهم وتعلّق قلوبهم بما أوجب تكاسلهم وتقاعسهم عن القتال ، وهذا ما يبيّنه عزوجل في الآية التالية ، وهو متاع الدنيا الفانية الزائلة.
قوله تعالى : (كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً).
أي يخشون الكفّار كما يخشون الله تعالى بأن ينزل عليهم عذابه بتركهم أوامره وإعراضهم عن طاعته ، ولما كان التساوي بين أمرين يقتضي الميل إلى أحدهما تارة والى الآخر اخرى ، إلّا أنّهم رجّحوا خشية الناس ، فكانت خشيتهم أشدّ من خشية الله تعالى ؛ لأنّ الجبن قد تمكن في قلوبهم.
و (خشية) منصوب على الحاليّة أو على التمييز ، كما سيأتي.