منهما بأن يجعله مستغنيا عن الآخر بسعة فضله وكرمه إن تفرّقا ، ويكفيه ما أهمّه من أمور الدنيا والدين ـ أي : الآخرة ـ وذلك لعموم الآية الشريفة ، فيغني الزوج بامرأة أخرى خيرا من الأولى ، تحصنه وتؤنسه وترضيه فتستقيم أمور بيته ، كما يغني المرأة بزوج آخر خيرا من الأوّل يقوم بأمرها ، يدبّر شؤونها بالنفقة والكسوة وسائر ما تتطلبه الحياة الزوجيّة ، فإنّ الله تعالى واسع حكيم.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً).
تعليل لما سبق أي : يغني كلا منهما ؛ لأنّه واسع الفضل والرحمة حكيم في أفعاله وأحكامه ، يعلم أنّ ذلك أمر فاش في أفراد هذا النوع ، فوضع حدودا وتعاليم لعلاج هذا الموقف ، فلم يتركهم سدى من غير تكليف.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
تعليل آخر ، أي : أنّ الله تعالى واسع لأنّ له ما في السموات وما في الأرض خلقا وتدبيرا وملكا ، وهو الّذي يدبّر أمر الإنسان وينظم شؤونه ، فلا يتعذّر عليه الإغناء بعد الفرقة ولا الإيناس بعد الوحشة ولا الغنى بعد الفقر.
والآية المباركة تدلّ على عظيم فضله وكمال لطفه وسعة رحمته وعموم فيضه.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ).
تأكيد جديد إلى مراعاة التقوى في جميع المواقف وكلّ الأمور. ولم تكن هذه الدعوة مختصّة بهذه الأمّة بل الدعوة عامّة لجميع الأمم ، وقد أبلغت إليهم بأبلغ وجه وأتمّ أسلوب ، فكان توصية منه عزوجل لهم بمراعاة التقوى وشدّة التمسّك بها ؛ لأنّ بها تتزكّى النفوس وتنتظم الشؤون ويعبد الله تعالى ويصلح أمر الدنيا والآخرة ، ومنه الحياة الزوجيّة الّتي هي أحوج من غيرها إلى مراعاة التقوى ، لدقّة الأمور الّتي تمسّ بهذه الحياة كما عرفت آنفا.