قوله تعالى : (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
تشديد آخر لمراعاة التقوى ، وتهديد على أنّ من أعرض عنها وتعدّى حدود الله تعالى كفرا بها ، فإنّه لا يضرّ كفره بترك العمل بالأحكام الإلهيّة ؛ لأنّه مالك الملك والملكوت وله ما في السموات وما في الأرض ، وإنّما وصّاكم بما يرجع الى خيركم ومصلحتكم رحمة بكم لا حاجة إليكم ، فلا يضرّه إعراضكم.
ومن ذلك يعلم أنّ المراد بالكفر هو الكفر العملي والإعراض عن طاعته عزوجل ، وأنّ بالتقوى تتحقّق الطاعة.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً).
الحميد أي : المحمود بذاته لذاته ، وهو من الأسماء الحسنى ، وهو يدلّ على أنّ كلّ ما في الوجود يصدر منه تعالى ، وإليه يرجع الحمد كلّه وهو مصدره. والآية الكريمة تقرير لما سبق وتأكيد لاستغنائه عمّن ما سواه ، فإنّه الغني بالذات وما سواه يحتاج إليه ، وهو محمود بذاته لذاته ، سواء حمده حامد أم لم يحمده.
كما أنّ الآية المباركة تتضمّن التهديد لمن ترك التقوى والعمل بالأحكام الإلهيّة وأصرّ على المخالفة والشقاق ، فإنّه تعالى قادر على العقوبة بما يشاء ولا نجاة عنها ؛ لأنّه الغني الحميد.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).
جملة استئنافية ، توطئة لما يأتي من إظهار قدرته ، فإنّ له التصرّف في خلقه كيفما يشاء إيجادا وإحياء وإماتة ، وتأكيدا لما سبق وإيذانا بأنّ جميع ما سواه مخلوق له تعالى محتاج بذاته لذاته ، وهو الوكيل عليهم يدبّر شؤونهم ويرعى مصالحهم.
ولعلّ الوجه في تكرار هذه الآية الشريفة ثلاث مرات لبيان تمام قدرته