مكفّرة للمعاصي والذنوب ، أو يبلغ بها منزلة وكرامة عند الله تعالى فوق حدّ التواتر ، وموافقة للقاعدة العقليّة كما يأتي.
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما يصيب المؤمن من نصب ، ولا همّ ، ولا حزن ، ولا غمّ حقّ الشوكة يشاكها إلّا كفّر الله تعالى من خطاياه».
أقول : لعلّ الوجه في ذلك أنّ تلك الحالات للمؤمن أقرب للانقطاع إليه جلّت عظمته ، فيكافئه الربّ الرحيم إمّا بغفران الذنوب ، أو ببلوغ منزلة.
وعن البيهقي في الأسماء والصفات بسنده عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «إذا سبقت للعبد منزلة لم يبلغها بعمله ، ابتلاه الله في جسده أو في ماله ، أو في ولده ، ثمّ صبّره حتّى يبلغه المنزلة الّتي سبقت له من الله».
أقول : يستفاد منه أنّ البلوغ إلى المنزلة لا بدّ وأن يكون بالسعي ، سواء كان اختيارا أو غير اختياري ، كالمحن والبلايا ، بل لا يستحقّ منزلة منه تعالى إلّا بذلك ، ففي الأثر : «مرّ موسى عليهالسلام على رجل في معبد له ثمّ مرّ به بعد ذلك وقد مزقت السباع لحمه ، فرأس ملقى ، وفخذ ملقى ، فقال موسى : يا ربّ عبدك كان يطيعك فابتليته بهذا؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى إنّه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليته بهذا لأبلغه بتلك الدرجة» ، فتكون جميع هذه الروايات مطابقة للقاعدة من أن العبد لو لم يفتن في هذه الدنيا ـ أو في عالم البرزخ على ما تقدّم ـ ولم يبتل بالبلايا والمحن حتّى يتحقّق السعي ، لم يبلغ تلك الدرجة الكاملة في الإيمان ولم يصل إلى تلك المقامات العالية ، وهذه القاعدة في الأنبياء والأولياء أشدّ من غيرهم ؛ لأنّ معرفتهم أكثر من غيرهم ، وقد سئل نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : أي الناس أشدّ بلاء؟ قال : النبيّون ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس ، فما يزال العبد بالبلاء حتّى يلقى الله وما عليه من خطيئة».