والروح ؛ ولأجل ذلك ذكر عزوجل بما يرفع اللبس والإبهام ، فقال تعالى : (وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، ثمّ ذكر عزوجل : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ؛ لمسيس الحاجة إلى ذكره ، ولما انتفت لم يذكر القيود في قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) ، واكتفى بالتعريف في المجاهدين ، وإنّه بمنزلة ذكر تلك القيود.
وأمّا ما ذكره عزوجل في الآية الأولى من إطلاق الدرجة ، فهو يدلّ على أنّ التفضيل من حيث الدرجة والمنزلة وهي مبهمة ، وهي على إبهامها فيه تفخيم تلك الدرجة وتعظيمها ، وقد رفع هذا الإبهام قوله تعالى : (دَرَجاتٍ مِنْهُ) ، وهو يبيّن قوله تعالى : (أَجْراً عَظِيماً) ، فالمستفاد من المجموع أنّ التفضيل كان في درجة عظيمة ، وأنّ فيها منازل ولها درجات من المغفرة والرحمة ، وهي الأجر العظيم الّذي يثاب به المجاهدون.
ومن ذلك يعرف أنّه لا تناقض ولا إبهام في الآية الشريفة ، وإنّما هي في أعلى درجات الفصاحة ، وقد ذكر المفسّرون في بيان هذه الآيات وجوها لا تخلو من المناقشة.
منها : أنّ المراد بالدرجة في صدر الآية المباركة ، المنزلة عند الله تعالى الّتي هي أمر معنوي ، والمراد بالدرجات ، المنازل في الجنّة وهي حسيّة.
ومنها : أنّ المراد بالدرجة في الآية الأولى المنزلة الدنيويّة ، كالغنيمة وحسن الذكر ونحوهما ، وبالدرجات المنازل الأخرويّة ، وهي أكبر بالنسبة إلى الدنيا ، فكانت درجات.
ومنها : أنّ المراد بالتفضيل في صدر الآية الكريمة تفضيل المجاهدين على القاعدين أولي الضرر ، وفي ذيل الآية الشريفة تفضيل المجاهدين على القاعدين غير أولي الضرر بدرجات.