وهذه الآية المباركة من الآيات الشريفة الّتي تدلّ على عصمة نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ، الّتي هي قوّة شعوريّة علميّة إراديّة غير مغلوبة لسبب من أسباب الضلال والفساد.
وهي تدلّ على أنّ العصمة لا تخرج المعصوم عن كونه فردا من أفراد الإنسان ، بل هي موهبة الهية عظيمة وفضل كبير عليهم ، تعزف أنفسهم بها عن ارتكاب المعاصي والآثام ، كما تعزف نفوس سائر الناس وتأنف عن أكلّ ما تشمئز منه النفوس.
وهذه العصمة تثبت على جميع جوارح المعصوم وجوانحه وتظهر أثرها في الأقوال والأفعال ، فيكون في أمن من اتّباع الهوى والميل إلى الباطل ، وأساس هذه العصمة ـ كما يستفاد من هذه الآية الكريمة ـ هو العلم الّذي يمنع صاحبه عن التلبّس بالخطإ وكلّ ضلال ، كما قال عزوجل : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ، وهذا النوع من العلم يختلف عن إنزال الكتاب والوحي بواسطة الملك ، بل هو إلهام خاص وإلقاء في القلب ، وهذا هو علم النبيّ صلىاللهعليهوآله المعروف الّذي يختلف عن سائر علوم الناس ، فإنّها لا تحصل إلّا بالأسباب العاديّة المعروفة في طرق اكتساب العلوم.
كما يختلف عنها في أنّه لا يتأثّر بسائر القوى الشعوريّة الاخرى ، من الوهم والخيال والضلال ، بل هو غالب عليها ، وأنّه يصون صاحبه من الضلال والخطيئة. وقد يعبّر عن هذا العلم بالعلم اللدنّي أو الملك الّذي يحفظ الإمام عليهالسلام. وقد ورد في بعض الروايات أنّ للنبي صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام روحا تسمّى بروح القدس تسدده وتعصمه من المعصية ، ويشير إليها قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [سورة الشورى ، الآية : ٥٢] ، وتقدّم في الجزء الأوّل بحث العصمة فراجع.