راجع إليهم ، فهم الضالّون ويعملون عملهم ، وأنّهم أزالوا أنفسهم عن الحقّ وأوردوها مورد الهلاك.
قوله تعالى : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
عطف تفسيري للآية الكريمة السابقة ، أي : أنّهم بهمّهم لإضلالك لا يضرّونك بل يضرّون أنفسهم بتعريضها للهلاك ووبال عملهم عليهم ، فلا يتعدّى عليك ؛ لأنّك مؤيّد من عنده تعالى ومعصوم ، فلا يضرّك ما يخطر ببالك بادئ الأمر من همّهم وشدّة جهدهم في تلبيس الحقّ بالباطل.
والآية المباركة تدلّ على نفي إضرارهم للنبيّ صلىاللهعليهوآله مطلقا وفي جميع الحالات والخصوصيات ، وهي تدلّ على عدم صدور المجادلة عنهم من النبيّ صلىاللهعليهوآله مطلقا.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
بيان لفضله تعالى على النبيّ صلىاللهعليهوآله والرحمة له ، وهو في مقام التعليل لقوله تعالى : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) ، أي : ما يضرّونك من شيء مع إنزال الله عليك القرآن والحكمة ، وهي الفصل في القضاء ، أو الاطلاع على الحقائق ودقائق الكتاب وسائر المعارف الإلهيّة. وعلّمك من الحقائق وكشف لك الأسرار المكنونة والعلوم المخزونة وخفيّات الرموز ما لم تعلم إلّا بتعليمه.
وذكر المفسّرون في تفسير الكتاب والحكمة أمورا يمكن المناقشة فيها ، فقيل : المراد من الكتاب : هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس ، كما في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣].
وفيه : أنّ الظاهر من الكتاب ـ في المقام ـ النازل على رسول الله صلىاللهعليهوآله المقابل للحكمة ، وتعليم ما لم يعلم هو القرآن الكريم ، وهو والحكمة تكفّلا لرفع اختلاف الناس والفصل بالحقّ في القضاء.