قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
تأكيد لما وعد به آنفا من المغفرة والرحمة للمجاهدين ، فهو تعالى غفور لمن يستحق المغفرة ، ورحيم بمن يتعرّض لنفحات رحمته بإعطاء الثواب ومزيد الفضائل والعطايا ورفع الدرجات. ولا يخفى مناسبة الاسمين الشريفين لمضمون الآية الكريمة السابقة.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ).
بيان حال القاعدين عن الجهاد والمعرضين عن الهجرة.
والوفاة أخذ الشيء وافيا تامّا ، والمراد بها قبض الروح عند الموت ، وتقدّم الكلام في اشتقاق الكلمة في قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٥] ، ولفظ «توفّاهم» يحتمل أن يكون ماضيا ، كما يحتمل أن يكون مضارعا فيكون أصله (تتوفاهم) ، نظير قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) [سورة النحل ، الآية : ٢٨] ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٣٢] ، وحذفت أحد التائين من اللفظ تخفيفا ، ولا يضرّ التذكير والتأنيث ، لجواز كلّ واحد منهما في المقام.
وإنّما نسب الوفاة إلى الملائكة ؛ لأنّهم المباشرون في قبض الأرواح بعد أمر الله تعالى ، فلا ينافي قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [سورة الزمر ، الآية : ٤٢] ، فإنّ الفعل تارة ينسب إلى نفسه المقدّسة ، وأخرى : إلى الملائكة ، وثالثة : إلى ملك الموت ، قال تعالى مخاطبا رسوله الكريم : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [سورة السجدة ، الآية : ١١] ، ورابعة : إلى الرسل والأعوان أو الملائكة كما تقدّم ، قال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [سورة الانعام ، الآية : ٦١]. والجميع صحيح ، فإنّ الله تعالى هو الآمر