أيضا ، والّذين هم يحتاجون إلى الرعاية والترحّم والانعطاف أكثر من غيرهم ، ولعلّ في ذلك ارغام لآبائهم وأمهاتهم وبغضا لمكانتهم.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها).
استنهاض آخر لهم في تقديم المعونة للذين تربطهم معهم رابطة الإيمان مضافا إلى أنّهم منهم ، وهم أبعاضهم وأفلاذهم ، ومؤمنون بالله العظيم يدعونه خوفا وطمعا بعد ما انقطعت بهم الأسباب ؛ لأنّهم فقدوا من قومهم كلّ عون وحرموا كلّ مغيث ، فكانوا مذللين معذبين لأجل دينهم ، يستغيثون الله تعالى بقولهم : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها.
والآية المباركة بأسلوبها الرفيع وفصيح عبارتها ، بيّنت كمال انقطاعهم إلى ربّهم وقوّة إيمانهم ، حيث لم يستغيثوا إلّا بمولاهم الحقّ ليفرّج عنهم كربهم ويخرجهم من تلك القرية الّتي هي وطنهم الظالم أهلها لهم ، ولم يذكروا شيئا آخر ممّا كان دائرا في العصر الجاهلي من العصبيّة ونحوها ، فلم يقولوا : يا قوماه ، أو يا للرجال ونحو ذلك.
والمراد من القرية مكّة المكرّمة الّتي ظلم أهلها المشركون المؤمنين أشدّ أذية ليردّوهم عن دينهم. وإنّما وصف أهلها بالظلم دون القرية ، كما في غير هذا الموضع قال تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) [سورة الحج ، الآية : ٤٥] ، وقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) [سورة الحج ، الآية : ٤٨] ، لأنّ مكّة مكرّمة فلا يقال لها قرية ظالمة ، وإنّما اختصّ أهلها بالظلم.
قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا).
دعاء آخر منهم يطلبون منه جلّت عظمته أن يجعل منهم وليا يلي أمرهم ليرشدهم إلى أمور دينهم ودنياهم ، فإنّه أعلم بمصالحهم من غيره.