وقد كانت الحسنة من الله تعالى لأنّه عزوجل تفضّل علينا بجميع الوسائل والأسباب للوصول إلى ما نبتغيه من الحسنات.
الثانية : أنّ الإنسان لا يقع في السوء والضرّاء إلّا بفعل نفسه وتقصير منه ؛ لأنّه أهمل طريق الوصول إلى الأشياء وأعرض عن استخدام الأسباب ، وجهل استعمال السنن ، فالسوء إنّما يعرض للأشياء بفعل الإنسان نفسه وتصرّفه.
ويستفاد من الآية المباركة أنّ السيئة لا تكون وصفا ذاتيا للأشياء ، وإنّما تأتي من ناحية الإنسان ويستند إليه ، ولا ينافي هذا ما ذكرناه آنفا من أنّ جميع الأشياء تنسب إليه عزوجل ؛ لأنّ الله تعالى خلقها ووضع لها أسبابا وقواعد ونظاما معيّنا للأسباب والمسبّبات ، ولكن السيئة تستند إلى الإنسان لأنّه أهمل ذلك النظام ، فحصل السوء من فعله ، وللتوضيح نذكر مثالا نأخذه من القرآن الكريم ، وهو ما أصاب المسلمين في غزوة أحد من السوء والضرر نتيجة تقصيرهم في تنفيذ أوامر الرسول صلىاللهعليهوآله ، حيث ترك الرماة موقعهم عند الجبل ، وإلّا كان الفوز والظفر حليفهم ، فتركوا هذا الأمر الإلهي الّذي كان يرشدهم إلى الحسنة والفوز بالظفر والغلبة.
وبالجملة : أنّ كلّ ما يجده الإنسان من لذّة وفرح وسرور وحسنة ، سواء كانت حسيّة أم عقليّة روحيّة ، فهو من الفضل الّذي ساقه الله تعالى إليه واختاره له عزوجل للتخلّق بالخلق الأفضل ؛ ليكونوا سعداء بما وهب الله تعالى لهم من أنواع النعم ، وأمّا ما يجده من السوء والضرر فمن نفس الإنسان ، ولو أمعن النظر في ما أصابه من الحزن لكان فرحه به مثل فرحه بالسار. وهذا بحث دقيق سوف نتعرّض له إن شاء الله تعالى.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) أنّ من أسباب النعم والفوز بالحسنة الطاعة لله والرسول ، وأنّ عصيانهما يجلب السيئة والنقمة ، وأنّ الإنسان لا يعرف مواطن الخير ولا يميّز الخير من الشرّ ؛ لأنّه يقصر