المتخاذلين عن القتال ، الّذين حكى عنهم عزوجل في الآيات السابقة وبيّن نهاية كلّ واحد من الفريقين.
قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ).
حكم اجتماعي به تشتدّ أواصر الثقة بين الأفراد ، ويظهر حسن الأدب بينهم ، وفي هذا الحكم تظهر نعمة السلام بعد انتهاء القتال ، كما أنّ منه يستفاد القاعدة الأساسيّة في الإسلام ، الّذي يسعى إلى السلام الّذي يرضاه الله تعالى ، وفيه تشيد أركان الدين القويم ، ويزال منه كلّ شرك وفتنة. ومن ذلك يعرف الوجه في تذييل آيات القتال بهذه الآية الآمرة بردّ التحيّة بمثلها أو بأحسن منها ، وهي من سنخ الشفاعة الحسنة أيضا الّتي أرشد الله تعالى المؤمنين باتّخاذها وسيلة لتثبيت النظام وتشييد الأركان وترويض النفس على التخلّق بأخلاق الكرام.
والتحيّة : تفعلة مصدر حيى يحيى تحية ، كتزكية وتسمية ، فادغموا الياء في الياء ، وهي في الأصل الدعاء بالحياة وطولها ، وصارت اسما لكلّ دعاء وثناء ، ولها مظاهر مختلفة ، وفيها عادات متفاوتة ، فلكلّ قوم تحيّة معيّنة ، ولكن تحيّة المسلمين السلام ، قال تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة النور ، الآية : ٦١] وقال تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [سورة يونس ، الآية : ١٠]. وقيل : إنّ فيه مزيد على كلّ تحيّة ؛ لأنّه اسم من أسمائه المقدّسة ودعاء بالسلامة عن الآفات والعاهات ويستلزم طول الحياة ، ولأنّه ينبئ عن أنّ دين الإسلام دين الأمان والسلام ، وأنّ المؤمنين به هم أصول السلم ومحبّوا السلامة.
وظاهر الآية الشريفة أنّها تشمل كلّ أنواع التحيّة من السلام المعهود وتسميت العاطس ، وأنواع البرّ والصلات القوليّة منها والفعليّة ، ومنها تحيّة السلم والصلح الّتي تلقى إلى المسلمين ، فإنّ جميع ذلك من التحيّة ، وقد وردت في ذلك عدّة روايات ، كما سيأتي نقلها في البحث الروائي.