قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ).
توبيخ آخر لهم وبيان للركس الوارد في صدر الآية المباركة وتعجيز لهم ، أي : أنّ ذلك محال ، فإنّ الّذي ردّ إلى الضلالة والكفر ليس في استطاعتكم هدايته وتغيير سنة الله تعالى فيه ، فلا تفيد شفاعتكم في هداية هؤلاء الّذين أضلّهم الله تعالى.
وتوجيه الإنكار إلى الإرادة لبيان شدّته والمبالغة فيه ، ببيان أنّ إرادة الهداية ممّا لا يمكن ، فضلا عن إمكان نفسها.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
التفات من خطاب المؤمنين إلى الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، وفيه إشارة إلى أنّ من تشفّع من المؤمنين في حقّهم لا يدرك هذه الحقيقة ، وإلّا فلم يشفع لهم.
وهذه الآية الكريمة تبيّن حقيقة من الحقائق الواقعيّة الجارية في خلقه تعالى ، وهي أنّ الّذي أخزاه الله تعالى بسبب سوء أعماله الاختياريّة فصار ضالا عن الحقّ ، لم يكن له سبيل إلى الهداية.
وإنّما نفى عزوجل وجود السبيل فضلا عن نفس الهداية مبالغة ، ولانسداد الطرق بالنسبة إليه ؛ لأنّه خرج عن الفطرة المستقيمة ، فلا تؤثّر فيه أيّة حجّة ودليل ، فليس له من سبيل آخر يؤثّر فيه ويرجعه إلى رشده ليهتدي إلى الصراط المستقيم.
قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً).
وصف لنفسياتهم الضالّة المضلّة ، وبيان لتماديهم في الكفر وتصدّيهم لإضلال غيرهم بعد ما ضلّوا وكفروا كما حكى عنهم عزوجل في ما سبق ، فتكون الآية المباركة بيانا لقوله تعالى : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) ، فهم يتمنّون أن يكون المؤمنون مثلهم في الكفر والنفاق على سواء ، فلا أثر للهداية فيه ؛ لأنّهم ليسوا من الكفّار الّذين يقتنعون بكفر أنفسهم فقط ، بل ردّهم الله