عملية الإبطاء الّتي تصدر من ضعفاء النفوس الّتي سيطر الخوف عليهم ، والخور والفشل قد تمكّنا في نفوسهم.
وتمثل الآية المباركة في الذهن صورة ذلك الشخص المتردّد المتثاقل الخائف ، الّذي يبطأ عن الحركة ويزيده بعدا عن الصفوف المتراصة الّتي تحارب في سبيل الله تعالى ، فهو يبطئ عن القتال ويبطئ غيره عنه أيضا ، فإذا خلص من الحرب تنفّس الصعداء ورجع فرحا مسرورا وحمد نفسه إذا سمع بوقوع القتل في صفوف المسلمين ، فيقول : «قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا» ، وأمّا إذا سمع بنصرهم ورجوعهم مظفّرين يحملون النصر والغنيمة ، فعندئذ يتحسّر على ما فاته من الغنيمة والرجوع عن ساحة الحرب من دون أن يصيبه أذى ، ويتمنّى ويقول : «يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما». صورة رائعة تصوّرها الآية المباركة عن الحالة النفسيّة والشعور المتباطي وحالة الخوف لهؤلاء المبطئين ، فهو لا يفكر إلّا في نفسه لعدم تعمّق الإيمان في قلبه.
والخطاب في (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) عامّ متوجّه إلى الجميع من دون إشارة إلى طائفة معيّنة منهم ، ولم يقل : (فيهم) ، وهو توجيه تربويّ متين ؛ ليعرف المؤمنين الأقوياء الصادقين أنّ فيهم من تكون فيه هذه الحالة ، ويصفهم بذلك الوصف الدقيق ؛ ليعلم أنّ الحديث موجّه إليهم ، وأنّه هو المقصود ، وهذا أسلوب من الأساليب التربويّة الإصلاحيّة ؛ ليعدل من فيه هذه الصفة موقفه ويستقيم ويرجع الى صفوف المؤمنين ويسلك السلوك القويم ، ولا يستفاد من الآية الشريفة ما يدلّ على أنّ هؤلاء المبطئين هم المنافقون فقط ، كما زعمه بعض المفسّرين ، بل هو عامّ يشمل المنافقين وغيرهم من ضعاف الإيمان ، فإنّ في كلّ مجتمع يوجد الصالح والطالح ، ويختلف الأفراد من حيث الصفات الروحيّة والنفسيّة والأخلاق والملكات.