تحترم أرض المسجد ، فإنّ ما ورد من الروايات في شأن تلك المحال القدسيّة المتضمّنة لأجسامهم الشريفة ، ممّا لا ينكره العقل أصلا بل يقرّره.
وأمّا زيارات تلك المواطن والأمكنة الّتي حوت تلك الأبدان الطاهرة ، فإنّها عبادة نتقرّب بزيارة أحبّ خلقه إليه ، وتلك لو تأمّلنا في الزيارات الواردة في حقّهم كلّها كانت مشحونة بذكر الله تعالى والتذكّر بكلماته ومعارفه والتبرء من الشيطان واتباعه ، وليست لزيارتهم موضوعيّة مقابل عبادة الله عزوجل ـ نستجير بالله تعالى ـ بل أنّها طريق يرشدنا إليه جلّ شأنه ، وأنّهم أحياء عند ربّهم يرزقون. وقد ثبت في محلّه أنّ الأرواح مطلقا لا تنقطع ارتباطها عن هذا العالم ، بل لها نحو علاقة خاصة (برزخية) بموضع البدن ، حتّى ورد في بعض الروايات أنّ أرواحهم تتطلّع وتعلم من زارهم وأنّهم يدعون له ، وبالنسبة إلى الأولياء والمقرّبين تكون العلاقة والارتباط أشدّ وأكثر خصوصية لزوارهم ، إذا كان الزائر من أهل الإيمان ومن الكمّل ، فيتحقّق نحو ارتباط بين الروحين إن حصلت الأهليّة ؛ ولذا أنّ أهل العرفان والمتوجّهين يرون ما لا يرون غيرهم.
نعم ، من كان بعيدا عن حريم ذاته الأقدس ، تكون علاقته وارتباط روحه بعد الحياة ضعيفا ؛ لأنّه مشغول بنفسه في عالم البرزخ ، فكلّ ما كانت الإضافة إلى الله تعالى أقرب والتفاني أشدّ كانت الآثار الوضعيّة أكثر حتّى بعد الممات ، وكلّ ما كانت الإضافة أبعد وأضعف كانت الآثار الوضعيّة أقلّ حتّى كادت تنعدم ؛ لأنّه قد يصل إلى مرحلة الجماد ، قال تعالى : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) ، وقال تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً).
وما تقدّم يجري في الأولياء وعباد الله الصالحين الأبرار الّذين لهم عند الله مقام وشأن ، فيشمله العموم في قوله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج ، الآية : ٣٢].