صفة ـ وإنّما التحديد في المتعلّق ، وهو الاستعداد أو القابلية ، كما تقدّم ذلك في المباحث السابقة.
ومن تلك الفيوضات المعارف بجميع أنواعها ، والهداية بتمام أقسامها ـ كالهداية من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة ، ومن ظلمة الحسّ إلى نور المعنى ، ومن ظلمة الكون إلى نور المكوّن.
والإنسان الّذي هو أشرف مخلوقات الله تعالى له شرفيّة النيل لهذه الفيوضات والعطايا والهبات أكثر من غيره ، ولو اتّصف بالإيمان فله أسماها وأجلّها وإن كان إيمانه منبثقا عن الفطرة الكائنة فيه ، قال تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣] ، وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٩٦] ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [سورة الطلاق ، الآية : ٢ ـ ٣] ، وتقدّم مكرّرا أنّ التقوى لها مراتب ، منها الإيمان بالله العظيم ، وأنّ الرزق أعمّ من المادّي والمعنوي الشامل للمعارف والإشراقات والمكاشفات ، الّتي هي أنوار التوجّه وأنوار المواجهة ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٩] ، والفرقان الّذي هو تنوير القلب والإشراق عليه من الغيب للتمييز بين الحقّ والباطل ، يتوقّف على القابلية والاستعداد ، وهو الإيمان بالله تعالى الملازم للتقوى ، وله مبرز خارجي وهو العمل الصالح ، وقال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) [سورة النور ، الآية : ٢١] ، أي : ولو لا فضل الله عليكم لما نمت نفس بالخيرات والبركات ، بل أنّها ترسّبت وبقيت في حال السكون والنزول إلى الهاوية.
بل أنّ شراء الحقّ سبحانه وتعالى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأنّ لهم الجنّة ، كان بالعاجل لا بالآجل ، فإنّه عزّ اسمه جلّ أن يعامل العبد نقدا ويجازيه