المستقيمة تقتضي الهداية إلّا أنّ سبل الشيطان تعيقها وتحرفها عن التوجّه إلى خالقها ، المعبّر عنه بشرف العبوديّة.
وهذه الأسباب تؤثّر كثيرا في الإنسان على نحو يبعده عن الصراط المستقيم ، ولا تؤثّر فيه الحجج والبراهين وذلك باختياره ، فيصل إلى مرتبة أسفل السافلين بالمراحل المذكورة في الآيات المباركة.
وقد لا يكون كذلك ، وإنّما يكون للقلوب إقبال وإدبار ، وتملّ كما تملّ الأبدان ، وهذا حسب درجات الإيمان ، كما هو المشهود في المؤمنين ، وقد لا تؤثّر فيه أصلا كما في المعصومين من الأنبياء والأولياء وكمّل الإيمان من العرفاء ، وعن سيد العارفين وإمام الموحّدين عليّ عليهالسلام مخاطبا الدنيا : «غرّي غيري» عند ما تمثّلت عنده ، وغيره من الروايات الواردة عنه عليهالسلام.
وأسباب الغواية والضلالة الّتي هي من الشيطان محدودة ، بخلاف سبل الهداية الى الله العظيم ، فإنّها من مظاهر صفاته العليا ، وهي غير محدودة فلا يكون التقابل بينهما واقعيّا. مع أنّ الفطرة الخالصة الّتي خلقها الله تعالى تقتضي الهداية أيضا ، كما أنّه جلّ شأنه يحبّ خلقه ولا يرضى لهم العذاب ، قال تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [سورة النساء ، الآية : ١٤٧] ، وأنّه غني ذاتا وصفات ، وأنّ الخير وأسبابه منه تعالى وإليه عزوجل ، فلا بدّ وأن تكون غير محدودة لأنّها من مظاهر صفاته.
وقد ذكر سبحانه وتعالى في الآية الشريفة أهمّ أسباب الغواية من الوعد والأمنيّة ، وأنّ الأثر المترتّب على تلك الأسباب ليس إلّا الخسران ، سواء كان خسران الجنّة ونعيمها ، أم خسران المعارف الإلهيّة والحظوظ السعيدة ، أم خسران شرف العبوديّة ، أم خسران الآلاء والنعم ، أو خسران اللقاء الّذي هو من أعظم الخسائر ، كما عن علي عليهالسلام : «هبني صبرت على حرّ نارك ، فكيف أصبر على فراقك» ، وعن بعض العرفاء : «أعظم الخسائر من فاته اللقاء» ، فقد خاب من أحبّ