واحد من الزوجين الشحّ المكنون في نفسه ، آل إلى التباغض والشحناء أو المفارقة والطلاق فحينئذ لا جناح عليهما أن يصلحا بينهما بكسر سورة هذه الغريزة وتهذيبها بالإرشادات الربوبيّة والتعليمات الإلهيّة ، فيغمض كلّ واحد من الزوجين عن بعض حقوقهما. ولا بدّ أن يتذكّر كلّ واحد منهما ـ بل كلّ فرد ـ أنّ الشحّ والبخل يرجع إلى الحرص وهو ينشأ من ضعف النفس ، ويجب علاجه بالبذل والتسامح والتفكّر في أنّ الشحّ من المهلكات وممّا يضرّ النفس ويصدّها عن الكمال. ومن أقبح البخل وأمضه أن يبخل أحد الزوجين على الآخر بعد أن ارتبطا بالميثاق العظيم ، فكانت رابطتها أحقّ بالحفظ وأجدر بالوفاء ، بل لا بدّ أن يكون التسامح أوسع وأعظم ، كما أمر عزوجل في الآية التالية.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
إرشاد إلى أنّ المقام لا بدّ من أن لا يقتصر فيه على مراعاة الميثاق والعهد الّذي أخذه كلّ واحد من الزوجين على الآخر ، فإنّ مراعاته أمر مفروغ عنه ، وإنّما تتطلّب هذه العلاقة إلى الإحسان زيادة على الوفاء بالعهد ، فإنّه أجلب للقلوب وادعى للتوفيق في العشرة والتقوى ، فإنّها الضمان لتثبيت العدل والإحسان المطلوبين في هذا الموقف وإرساء أسس السعادة واستمرار هذه العلاقة آمنة مطمئنة بعيدة عن ما يكدر صفوها وما يوجب انفصام عراها ، كالنشوز والإعراض ؛ ولأنّ في التقوى الموعظة للرجال والنساء بأن لا يتعدّوا حدود الله تعالى.
وفي الآية الكريمة الذكرى للمؤمنين بأنّ الله تعالى خبير بما يعملون ، لا يخفى عليه خافية ، وسيحاسبهم عليه فيجزى الّذين اتّقوا وأحسنوا الحسنى ويثيبهم عليه ويعاقب المسيء الّذي ظلم في معاشرته مع النساء وأكرههن على إلغاء حقوقهن الّتي جعلها الله تعالى لهن.