والانقياد لرسوله وميل عن التوحيد الّذي هو أصل الدين وأساس كلّ كمال ، وكفى بذلك صارفا عن الغفران ونيل كلّ توفيق وهداية.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً).
تعليل لعدم غفران الله تعالى للمشرك ؛ لأنّ الشرك يوجب الضلال والبعد عن الصراط المستقيم ، وفيه فساد للعقل والفطرة ورجوع عن سبيل الرشد ، فلا يجتمع معه خير أو خلق كريم ، بل لا يمكنهما أن يضعا مفاسد الشرك وشروره ، فلا يكون مؤهّلا لنيل رحمته والعروج إلى جواره عزوجل ؛ ولذا وصفه تعالى بالضلال البعيد لعظم أثره وشدّته.
وتقدّم مثل هذه الآية الشريفة في هذه السورة أيضا ؛ ولعلّ الوجه في تكرارها ـ والله العالم ـ إمّا لأجل بيان أهميّة الشرك وعظم أمره. أو للإعلام بأنّه الأصل في صدّ الإنسان عن الكمال ، وعائق كبير عن تهذيب النفس وتحليتها بالمكارم والفضائل.
وإمّا لبيان الآثار المترتّبة على الشرك بالله العظيم ، فقد ذكر عزوجل في الآية المباركة السابقة أنّ الشرك سبب للافتراء والكذب ؛ لأنّه يوجب الإعراض عن داعي الفطرة الّذي يدعو إلى التوحيد ، الّذي هو أساس كلّ دين ، وهذا هو الافتراء والكذب ؛ لأنّه تغرير للنفس وإبطال لجميع المعارف الإلهيّة وإعراض عن كلّ خلق كريم ومانع عن التخلّق بالأخلاق الإلهيّة. وفي هذه الآية الشريفة يبيّن عزوجل أثرا آخر من آثار الشرك ، وهو الضلال البعيد ، أي : إبعاد للإنسان عن كلّ هداية تكوينيّة وتشريعيّة. وصرف له عن الفطرة المستقيمة الداعية إلى الاستكمال بالكمالات الواقعيّة.
وإمّا للإشارة إلى نبذ الشرك بجميع أقسامه ، الشرك في الذات والفعل والعبادة ، وقد تكفّلت الآية السابقة لنفي الشرك في الذات والعبادة ، وفي المقام يبيّن نفي الشرك في الذات والفعل.