وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب من ثلاثين موضعا ، قال تعالى حكاية عن امرأة عمران عليهاالسلام : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٦] ، وقال تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) [سورة النجم ، الآية : ٢١] ، وقال تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [سورة النحل ، الآية : ٥٨] ، وغيرها من الآيات الكريمة.
ويستفاد من الحصر والعموم في قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أولوية ما ذكرناه من غيره ممّا ذكره المفسّرون ، فإنّه عزوجل يصف ما يعبدون من دونه بكونها إناثا ، وإن كان ذكرا غير أنثى كعيسى المسيح عليهالسلام ، أو بوذا ، أو برهما ، وغيرهم ممّن ادّعوا الألوهيّة فيهم ، لكونهم ضعفاء عاجزين عن تحقيق أماني ومقاصد من يعبدونهم.
وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره المفسّرون في تفسير هذه الآية الشريفة ، فقيل بأنّ المراد بالإناث اللات والعزى ومنات الثالثة وغيرها من الأصنام الّتي كانت للعرب ، فإنّهم كانوا يسمّون كلّ صنم تسمية الأنثى ، ويقولون : أنثى بني فلان ، وكانوا يجعلون عليه الحلي وأنواع الزينة كما يفعلون بالنسوان ، وقيل : المراد بها الملائكة. وقيل غير ذلك ممّا لا دليل عليه ، مضافا إلى كونه تخصيصا للآية الشريفة بغير وجه.
وكيف كان ، فإنّ في هذا التعبير شدّة الإهانة والتكبيت لمعبوداتهم والإعلام بضعفها ونفي خيرها ، وانحطاط منزلتها ، كما يدلّ على غاية الحماقة وتناهي جهلهم ، حيث يعبدون ما هو منفعل لا يقدر على شيء ويدعون القوي العزيز الفعّال لما يريد ، ويشمل أيضا كلّ معبود من دون الله تعالى وإن اختلفت المظاهر والأشكال والأفراد ، فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ مظاهر العبادة تتغيّر وتختلف ، فلم يعد هناك تلك الأصنام الإناث الّتي كانت العرب يعبدونها ، وقد حلّت محلّها عبادة الذات