ولم تكن الآيات الشريفة الأخيرة في سورة آل عمران ببعيدة عن الأذهان ، حيث يبيّن عزوجل فيها المنهاج الّذي لا بدّ أن نتبعه ، فقال تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ، وفي هذه الآيات الكريمة تأكيد جديد ودرس عملي لنبذ كلّ تمن فارغ عن العمل وتفاخر وتفاضل يوجب البعد والبغضاء ، فإنّ الجزاء حاصل لا محالة ، وكلّ من عمل سوءا يجز به ولا يجد من دون الله وليّا ولا نصيرا ينصره من العذاب ، ومن يعمل الصالحات فسيجد الجزاء الأحسن ، وهذا هو الدين ، فلا بدّ من التسليم الكامل والإحسان والعمل واتّباع ملّة إبراهيم عليهالسلام ، الّتي حفظت في جميع الأديان الإلهيّة وعند مشركي العرب ، وهي ملّة محمد صلىاللهعليهوآله ، فكانت صلة بين جميع من ذكر ، والله تعالى محيط لا تخفى عليه خافية وله ما في السموات والأرض.
التفسير
قوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ).
تأكيد لما ذكره عزوجل في الآيات المباركة السابقة ، وبيان أنّه ليس لأحد كرامة على الله تعالى ولا حقّ له عليه جلّ شأنه ، إلّا باتّباع تعاليمه وتطبيق شريعته وتنفيذ أوامره ، وهذا هو الدين الّذي أنزله الله تعالى على جميع أنبيائه وأمرهم بتبليغه لعباده ، وليس هو أهواء وأمنيات وتشدّق بالكلام بأن يتفاخر كلّ واحد بأنّ دينه أفضل أو أكمل وأحقّ بالاتّباع ، فإنّ هذه كلّها أماني صوريّة لا حقيقة لها ، وهي بعيدة عن واقع الدين ؛ لأنّه تطبيق عملي لما وقر في القلب واستقرّ فيه ، وتلتقي جميع الأديان في هذا الأمر ، بلا فرق بين دين الإسلام وسائر الأديان الإلهيّة ، وقد حكي عزوجل بعض صور التفاخر في مواضع اخرى من القرآن الكريم ، قال تعالى محكيا عن أهل الكتاب : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ