جزاء ، يبيّن عزوجل في هذه الآية الشريفة أنّ للإيمان مراتب متفاوتة أدناها مجرّد الدخول فيه ؛ لأنّ للدين والإيمان بالله تعالى كرامة ، وهو حسن على كلّ حال ، بل الإنسان لا مناص له عن الدين ، فإنّه أمر فطري ، وهو لا محالة يرجع إليه في كثير من شؤونه الدنيويّة والأخرويّة ، وإن أنكره بلسانه ، وأعلى تلك المراتب وأحسنها الّتي بها يجوز درجات الثواب ، الإيمان الخالص ، وهو التوحيد الكامل لله تعالى وتوجيه القلب إليه والتسليم والإحسان في العمل ، وهذا هو ملّة إبراهيم عليهالسلام الّتي أمرنا الله تعالى باتّباعها ، وهي أيضا ملّة محمد صلىاللهعليهوآله ، وتقدّم في قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٢] ، أنّ المراد منه جعل وجهه خالصا لله تعالى لا يتوجّه لغيره أبدا ، منقادا ومستسلما له عزوجل يأتمر بأوامره وسائر تشريعاته ، خاضعا له خضوع عبوديّة ومقهوريّة ، وهذا هو الإيمان الخالص من شوائب الشرك ، وهو التوحيد الكامل الّذي به وصل الأنبياء عليهمالسلام والأولياء إلى المقامات العالية وحازوا شرف القرب لديه عزوجل ، وفيه تظهر عبودية المؤمن ، فيكون ترتّب قوله تعالى : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) على صدر الآية المباركة ترتّبا عليّا ، فإنّ من أسلم وجهه لله يستلزم أن يظهر عليه أمارات العبوديّة ـ على أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ـ ويتخلّق بأخلاق الله تعالى ، فيحسن في العمل بإتيان العبادات وترك ما ينافي العبوديّة.
وإنّما خصّ عزوجل الوجه بالذكر دون سائر أعضاء الإنسان مع أنّ الإسلام لله تعالى ، لا بدّ أن يظهر على جميع جوارحه ؛ لأنّ الوجه أهمّ مظهر للإنسان ، ومنه يعرف حالاته وما يكمنه في قلبه ويكنّه في نفسه من القرح والسرور والإقبال والإدبار والخشوع والخضوع وغير ذلك.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً).
الحنيف : الميل عن الوثنيّة والشرك ، والملّة الحنيفيّة هي الملّة المائلة عن الشرك والوثنيّة والزائغة عن الأديان الباطلة ، وهي من صفات دين الإسلام ، وقد