قال تعالى : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الانعام ، الآية : ٨٨] ، فلا فائدة في العمل بدونه. والثاني العمل الصالح ، فإنّ الجزاء الأحسن إنّما يكون بإزاء العمل الصالح ، ويستفاد من ذلك أنّه لا جزاء حسنا على أعمال الكافر وإن كانت صالحة ، فلا اعتداد بها إلّا أنّه قد تفيده في تخفيف بعض أنواع العذاب ، كما تدلّ عليه بعض الأخبار ، كما أنّه لا ينال الجزاء العظيم الّذي خلا عن العمل الصالح.
و (من) في قوله تعالى : (مِنَ الصَّالِحاتِ) تبعيضيّة تدلّ على أنّ الإتيان ببعض الأعمال الصالحة يكفى في نيل الجزاء الأحسن ، ويتدارك به ما بقي من الأعمال الصالحة ، كما يتدارك به وبالتوبة آثار المعاصي والسيئات الّتي يقترفها المؤمن ، قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود ، الآية : ١١٤] ، وقال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ) [سورة النساء ، الآية : ١٧] ، وتقدّم في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء ، الآية : ١١٦] بعض الكلام ، كما مرّ تفصيل المقال في بحثي التوبة والشفاعة في سورة البقرة فراجع.
وذكر بعضهم أنّ (من) في الآية الكريمة زائدة ، ولكنّه بعيد عن سياق الآية المباركة الّتي هي في مقام البيان والدقّة فيه ، كما أنّ كونها تبعيضيّة تناسب الفضل الإلهي العميم.
و (من) في قوله تعالى : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) للتأكيد على أنّ النساء لهن المثوبة كما تكون للرجال ، ولا فرق بين الفريقين عند الله تعالى في الجزاء الحسن والأجر العظيم ، إلّا أن يكون التفاوت من ناحية أعمالهم.
كما تدلّ الآية الكريمة على تساوي النساء والرجال في أمور الدين ، وأنّ الأعمال الصالحة تصلح النفوس مطلقا ، سواء كان العامل ذكرا أم أنثى. وفيها ردّ على مزاعم بعض الناس في النساء ، حيث اعتبروهن ذليلات في الخلقة وحرموهن