و «العطب» : الهلاك ، ونشب الشيء نشوبا أي : علق فيه. فلعلّ المراد من النشب العلاقة ، وإليه يرجع تفسيره بالوقوع فيما لا مخلص منه.
إعلم أنّ الدّنيا دار يسكنها الانسان مدّة منقطعة إذا بلغ إليها انقطع عنها وانقطعت عنه ، وهي تبلغ الإنسان إلى الآخرة ، والعاقل يحصّل منها ما يبلغه إلى نعيم الأبد ، والانسان فيها على ظهر سفر مبدءه الولادة وآخره الموت ، فانّه أجزاء البدن من التّراب وغيره قد تحرّكت عن أماكنها واجتمعت وترقّت إلى أن صارت نطفة ، ثمّ سارت النطفة سيرا معنويّا بطريق التكميل إلى أن صارت بدنا للانسان ، ثمّ تسير سيرا إلى العلوّ والكمال صاعدة إلى أواسط الشباب ، ثمّ تسير سيرا مستويا إلى أوان الانحطاط ، ثمّ تسير هابطا إلى أوان الموت. فهذا أحد أمثلة صراط الآخرة المذكور فيه انقسامه إلى الأقسام الثلاثة. وإن شئت فلاحظ مجموع حركات الانسان من مكان الولادة إلى مكان الموت وسكناته ؛ فانّك تجده كشخص سافر من المكان الأوّل إلى الثّاني بتؤودة وبطىء ؛ كالمريض المريد لمكان بعيد ، فانّه يكثر سكونه ويقلّ زمان حركته ، وهذه المسافة مطابقة لمدّة العمر أعني : الزمان المقدّر لحياة كلّ شخص ، فالسير بهم سريع ؛ لانّه لا يتصوّر شيء أسرع سيرا من الزّمان ، سواء جعلناه منتزعا عن حركة فلك الافلاك ، أو جعلناه موجودا ثابتا في الواقع على نحو التقضّي والتصرّم ، واللّيل والنّهار يأتيان بكلّ حادث مقدّر في كلّ منهما ؛ لأنّ الامور مرهونة باوقاتها ، فاذا جاء وقتها أتى بها ، سواء كان بلاء جديد واندراس عامر ، أو أمرا بعيدا بحسب أجزاء الزمان ، فكلّ ما وعد يأتيان بها بمجيء وقته ، والشّمس والقمر بتأثيريهما المتضادّين في الأشياء يبليان كلّ جديد ، ويؤثران في الكون والفساد ؛ فكلّ منهما كان موعودا أو قريبا آتيا به. والمراد بالتأثير ليس هو التأثير الاستقلاليّ ، بل على الوجه الّذي نذكره في محلّه ـ إن شاء الله تعالى ـ.