كما أنّ بعض النسب المتقدّمة لا يخلو عن توسّع بحسب اللّغة والعرف ، فلا ينبغي للعاقل أن يعتقد الدّنيا دار قرار ومنزل استيطان ، ولا لها استقرارا وثباتا ، ولا أمرا مقصودا بنفسه ، ولا يستبعد بلاء جسده وجميع أمتعة الدّنيا ، ولا الموت ولا البرزخ والآخرة الموعودة ؛ لأنّها ثابتة عند أزمنتها وانقضاء الزمان المتوسّط بيننا وبينها يأتي بها ، فكان ما هو كائن عن قليل لم يكن ، وما لم يكن بعد عن قليل لم يزل.
ثمّ إنّ أسباب الفتن من الجهالات والشّبهات الباطلة والاعتقادات الفاسدة ، وما شاكلها كالأخبار الكاذبة وبدع المبتدعين منضمّة إلى كلمات المعاصي وغيرها ، ورؤية كلّ شيء بخلاف ما هو عليه ، وملاذ الدنيا وشهواتها الباعثة لحدوث الاهوية إذا اجتمعت وتراكمت صارت مانعة عن رؤية الحقّ وإدراكه ، وسببا لالتباس الحقّ على الطالب للحقّ ، فيغيّر كاللّباس الّذي يغطّي الانسان من حيث إحاطته بالبصيرة ، ومنعها عن تأثير أسباب الهداية كوقاية اللّباس عن الحرّ والبرد ، وتأثّر البدن عن إشراق نور الشّمس ومن حيث سواده ، ومقابلته لنور المعرفة كقطع اللّيل الشّديد الظلام ، بل لعلّك إذا لاحظتها بالبصيرة الباطنة شاهدتها كألبسة سود مماثله لقطع اللّيل في الصورة فضلا عن المشابهة في السواد والايحاش ، ومنع الادراك بحيث إذا أخرج يده لم يكديريها.
والمخلص عنها القرآن ، فانّه شافع إلى الله لمن تتّبعه وتمسّك به وصار من أهله ، يستدعي ويسأل ويقتضي معنى من أحد سبحانه دفعا لهم ، كما يشفع لهم حسّا وصورة يوم القيامة مقبول الشفاعة في المقامين ، يخلّص الله أتباعه منها باقتضائه ، ويمنع خيراته عمّن لم يتمسّك به وخالفه ، ويسعى به الله سبحانه ، ويقتضي طرده وإبعاده مصدّق عند الله تعالى في شهادته وفي حكمه على هذه الطائفة ؛ بل الاولى في جميع ما أخبر به عن الامور الآتية ، بل الماضية والموجودة ؛ فمن ائتمّ به وجعله