أمامه وسار خلفه فأمكن الكتاب من زمامه فصار قائده يحلّ حيث حلّ ثقله (١) وينزل حيث كان منزله ساقه إلى الجنّة ، ومن أعرض عنه بوجه قلبه وخالفه وسار على خلافه قاده إلى الله ، كما قال سبحانه :
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً)(٢).
فمثله كماء النيل لبني إسرائيل وأصحاب فرعون ، فمن استنصحه نصحه ، ومن نظر فيه بأهوائه زيد في ضلالته وجهالته ، ومن لم يؤمن به صار كافرا به.
وهو الدّليل الّذي يدلّ على خير سبيل كما وصفه تعالى بقوله :
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(٣).
يريهم الطريق ويوصل إلى المطلوب من مقام الزّلفى إلى الله سبحانه والرضوان ونعيم الآخرة الأبديّة الخالصة عن الأكدار ، بل إلى نعم الآخرة والاولى ومصالحهما.
وفيه تفصيل الحقّ عن الباطل ، والهدى عن الضلال ، والرشد عن الغيّ ، وبيان المعارف والنشآت من الاولى والاخرى ، وتحصيل العلوم والخيرات والكمالات.
فهو الفصل الّذي ليس فيه شيء من الهزل الباطل ، وله ظاهر وباطن ، فظاهره حكمة علمية وعملية ، وباطنه علوم دقيقة ، ظاهره حسن معجب لفظا ومعنى ، فصاحة وبلاغة ، وباطنه علوم عميقة لا تصل إلى قعرها إلّا الرّاسخون في العلم ؛ لمعانيه مبادىء ونهايات ، ولنهاياته نهايات ، فعجائبه لا تحصى ، وغرائبه لا تبلى بفناء العمر وكثرة التدبّر والتفكّر والبحث ، بل هو جديد دائما وغريب بديع أبدا ؛ كلّما لاحظه أدرك منه شيئا غير ما تفطّن له من قبل.
فيه مصابيح الهدى يدرك الانسان بها هدايته في كلّ مقام ، ويطرد عن الطالب
__________________
(١) «الثقل» بالفتح : متاع المسافر.
(٢) الاسراء / ٨٢.
(٣) الاسراء / ٩.