من الدّنيا إلى الآخرة ؛ وفيه كمال دينكم (١) ، وما عدل أحد من (٢) القرآن إلّا إلى النّار» (٣).
اعلم أنّ الهدى والضلالة كما يطلقان في الطريق الحسّي ، كذلك يقعان على الطرق المعنويّة الّتي يسلكها اولوا الألباب للوصول إلى الله سبحانه ورضوانه والنعم الباقية الصوريّة والمعنويّة. والانسان في هذه الدّار سالكة بمعارفه وجهالاته ، وأخلاقه الحسنة والقبيحة ، وأعماله الحسنة والسيّئة إلى القرب إلى الله سبحانه والبعد منه ، وإلى الخروج من الحجب وزيادتها على نفسه ، وإلى نعيم حقيقيّ وجحيم كذلك ، وإلى جنّة وإلى نار ؛ وكما أنّ الماشي إلى مقصد كما يحتاج إلى دلالة يستدلّ بها إلى المقصود حذرا من الضلال كذلك السالك المعنويّ يحتاج إلى هدى يستهدي به حتّى لا يضلّ عن مقصوده ، بل هو أشدّ احتياجا لكثرة طرق الضلالة ؛ كما يشير إليه قوله تعالى :
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(٤).
حيث أتى السبل بصيغة الجمع ، والقرآن يهدي للّتي هي أقوم كما نصّ سبحانه عليه (٥). وكذا العمى قد يطلق على صفة العين الظاهرة باعتبار انعدام البصر عنه ؛ وقد يقع على العين المثاليّة باعتبار انعدام صفة الابصار عنه ، فلا يرى الامور المثاليّة وقد يقع على العقل باعتبار انعدام صفة التعقّل عنه ، فلا يعقل الأشياء الّتي من شأنها
__________________
(١) وزاد العيّاشي هنا : «فهذه صفة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ للقرآن.»
(٢) الكافي والعيّاشي : «عن».
(٣) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، ص ٦٠٠ ، ح ٨ ؛ والعيّاشي ، ج ١ ، ص ٥ ، ح ٨ ؛ وهكذا في الصافي والبحار والبرهان.
(٤) الأنعام / ١٥٣.
(٥) إشارة إلى آية ٩ سورة الاسراء ، وقد مرّ آنفا.