أن يدركها. وربما يطلق العمى على نفس خفاء الشيء عند شأنية ظهوره في كلّ من المقامات الثلاثة ، خفي من المبصرات الحسيّة والمثاليّة والمدركات العقليّة عند شأنية إدراكه فقد عمى عنه ، والقرآن تبيان لما خفي من العلوم والمعارف والمدركات الباطنيّة ، وتبيان به يرتفع الغشاوة والعشاوة عن البصيرة الباطنيّة ، فيصير الانسان بصيرا بعد ما كان أعمى. وبه يطلب إقالة العثرات باستجلاب حال التوبة الماحية للعثرات ومن مواعظه وبياناته واستشفائه من الأمراض الباطنيّة لترتفع ببركته والاستدلال عليه لرفع الشكوك والشبهات. وهو نور من الظلمة ، فانّ النّور حقيقته ما بسببه يظهر الأشياء ، وقد قيل في تفسيره : «الظاهر بنفسه المظهر لغيره» (١). والقرآن يظهر به العلوم والمعارف وسائر الامور المتعلّقة بالنشأتين لمن كان بصيرا غير أعمى القلب ؛ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ). (٢) كما أنّ نور الشّمس يظهر المحسوسات للبصير كذلك القرآن يظهر المعاني وغيرها لصاحب البصيرة ، وكما يرتفع ظلمة اللّيل باشراق الشّمس كذلك ترتفع ظلمة الجهل والوهم وغيرها ممّا أشرنا إليه بنور القرآن.
ولعلّك إن كنت ممّن تعرف النّور والظلمة الموجودين في باطن العالم ومراتب القرآن الحكيم ، استغنيت به عن ما ذكرنا وغيره فيه وفي أمثاله.
وممّا أشرنا إليه يظهر وجه كونه ضياء من الجدث المحتمل لارادة القبر وللهيكل الحيواني ؛ إذ ضياء القرآن تدخل في باطن الانسان بأيّ اعتبار أخذوه ويبقى في البرزخ ، بل دائما أبدا إذا اجتمع بما يعتبر في بقائه.
وهو عصمة من الهلكة الصوريّة ، كما يدلّ على نبذة منه ما ذكر في خواصّ جملة الآيات والسور ، والمعنويّة ، لأنّ الكفر والجهل والأخلاق الرذيلة وهوى
__________________
(١) راجع مجمع البحرين.
(٢) ق / ٣٧.