«هو أن تتمكّث فيه وتحسن به صوتك.» (١)
أقول :
قد يكون حسن الصوت طبيعيّا منشؤه كون آلات التنفّس والتكلّم بحيث يصدر عنه الكلام حسنا وملايما مناسبا لسمع السامعين ، بحيث يستلذّ به السامع ، كما أنّها قد تكون على خلاف ذلك بحيث يخرج منه الكلام على وجه تشمئزّ منه النفوس ؛ كصوت الحمار. وهذا في الصوت كالحسن والقبح في الوجه وغيره من سائر الاشياء. وقد يكون اختياريّا ناشئا من طرف المادّة باعتبار إخراج الحروف من أليق حدود مخارجها بها على وجه متناسب ، كما يشاهد في بعض القرّاء ، أو من طرف الهيئات العارضيّة للحروف ، المحسّنة لها ، المزيّنة إيّاها ، باعتبار الانفراد والتأليف مع غيرها بحيث يميل إلى معروضها نفس السامع ، كما يعرض القبح للكلام بالاعتبارين ، كما هو المشاهد من بعض الناس. وقد يكون اختياريّا ناشئا من ترجيح الصوت وترديده بكيفيّات خاصّة ، بحيث تؤثر في النفس سرورا وحزنا ، مع قطع النظر عن مادّة الحروف والكلمات وهيئاتها العارضة لها ، بل هو خارج عنها أصلا ، بل ربّما يوثّر تأثيرها في نفس السامع مع عدم سماعه لجوهر الكلام.
وبيان هذا النمط من الحسن هو الّذي تكفّل له علم الموسيقي المعدود من أجزاء علم الحكمة ، وله أقسام وقواعد مسطورة فيه.
ولا يبعد أن يكون هذا القسم بالخصوص هو المراد بالغناء الّذي ورد عنه النهي في الاخبار وأفتى بحرمته العلماء ، ويشبه أن يكون موضوعه ظاهرا عند أهله ومن له بصيرة بهذا الشأن ، ولو في الجملة ؛ إذ ليس كلّ من يعرف حسن الشيء من قبحه يقدر على صناعته ، كما يظهر بين الخطّ الحسن والقبيح ، والبناء الحسن
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٣٧٨ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٢١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٦ ، ح ٤.