أقول : الظاهر أنّ الهدى مصدر على فعل كالسرى ، بمعنى الدلالة والبيان ، سواء أوصل إلى البغية أو لا ، على ما يظهر من تلك الاخبار : قال الجوهري : «الهدى : الرشاد والدلالة.»
ويعضده قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ.)(١)
وذهب بعضهم إلى الاختصاص بالموصل إليها بقرينة وقوع الضلالة في مقابلته ؛ قال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى.)(٢) وقال : (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.)(٣)
ويقال : مهدي في موضع المدح كمهتد ، ولانّ اهتدى مطاوع هدى ، ولن يكون المطاوع في خلاف معنى اصله.» (٤)
وفيه أنّ لفظ الاشتراء في الاولى ولفظة «لعلى» في الثانية اقتضى الدلالة على قبول الدلالة وحملها ، والقبول القلبي هو مقابل للضلالة في الاعتقاد ، والقبول العمليّ للضلالة العمليّة ، فالوصول الاعتقاديّ لازم للاول والعملي للثاني.
وأمّا كون مهديّ مدحا ، فدلالته على الهداية العلميّة باعتبار ظهور حصول الهداية له واعتقاده بمتعلّقها ، وعلى العمليّة لو كانت ، فهو لاجل كون الظاهر منه هو القبول الكامل ، فيترتّب عليه العمل.
وأمّا كون «اهتدى» مطاوع «هدى» ، فهو صحيح على ما ذكرنا ؛ لأنّ قبول الدلالة هو حصول الدلالة له ، فيكون موصلا في مقام العلم فقط ، أو مع العمل أيضا ؛ ألا ترى أنّ الائتمار مطاوع لأمر ، مع أنّه لا يشترط في كونه أمرا حصول
__________________
(١) البقرة / ١٨٥.
(٢) البقرة / ١٦ و ١٧٥.
(٣) سبأ / ٢٤.
(٤) راجع الكشاف ، ج ١ ، ص ٢٠.