الائتمار؟ مضافا إلى ما قيل من أنّ مقابل الضلالة الاهتداء لا الهدى ، وأنّ إفادة المهديّ المدح لأنّه من المعلوم أنّ الوسيلة إذا لم يفض إلى المقصود كانت كالعدم ، وأنّ لزوم اهتدى لهدى كليّة ممنوع ؛ إذ يصحّ في العرف أن يقال هدى ، فلم يهتد ؛ قال عزّ من قائل :
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى.)(١)
وحينئذ فالظاهر عدم اختصاصه بالموصل ، بل هو البيان والدلالة الّتي من شأنها أن يتوصّل بها إلى البغية ، سواء استجمع من له الهداية شرائط القبول وقبل وسلك على منواله أم لا.
ثمّ المتّقي اسم فاعل من وقاه فاتّقى ، والوقاية فرط الصيانة ومنه فرس واق وهذه الدابّة تقي من وجاها إذا أصابه ضلع من غلظ الارض ورقّة الحافر ، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه. (٢)
قال الجوهري : «لمّا كثر استعماله على لفظ الافتعال توهّموا أنّ التاء من نفس الحرف ، فجعلوه إتّقى يتّقي بفتح التاء فيهما مخفّفة ، ثم لم يجدوا له مثالا في كلامهم يلحقونه [به] ، فقالوا : تقى يتقي ، مثل قضى يقضي ـ إلى أن قال : ـ والتقيّ : المتّقي ، وقد قالوا ما أتقاه لله سبحانه.»
وحينئذ فالتقوى والتقى والتقي وغيرها كلّها من الوقاية الّتي بمعنى فرط الصيانة والحفظ ، فلا بدّ من كونه متعلّقا بأمر ضارّ ، فيختلف باعتبار المواطن والمواضع ، فاذا استعمل في مقام الدين والشريعة وملاحظة الغاية كان معناه أصل المادّة بجميع تصريفاتها فرط الصيانة عمّا يضرّ من تلك الحيثيّة ، ولمّا كان للمضرات درجات من الكفر ، والكبيرة والصغيرة ، والتوسّع في أسباب الدنيا الموجب للثقل
__________________
(١) فصلت / ١٧.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٢٠.